للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَمَّا السِّنُّ الَّذِي لَا يَجُوزُ دُونَهُ فَهُوَ مَا تَجُوزُ أُضْحِيَتُهُ إِنْ كَانَتْ ضَأْنًا فَجَذَعَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ مِعْزَى فَثَنِيَّةٌ، لِمَا رُوِيَ عَنْ سويد بن غفلة قال أتانا مصدق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وقال: نهينا عن أخذ الرَّاضِعِ، وَأُمِرْنَا بِالْجَذَعِ مِنَ الضَّأْنِ، وَالثَّنِيِّ مِنَ الْمَعِزِ، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِسَاعِيهِ: وَخُذِ الْجَذَعَةَ وَالثَّنِيَّةَ.

وَأَمَّا الْجِنْسُ فَالْمُرَاعَى فِيهِ غَنَمُ الْبَلَدِ لَا غَنَمُ الْمَالِكِ، فَإِنْ كَانَ مَكِّيًّا فَمِنْ غَنَمِ مَكَّةَ ضَأْنًا أو معزى، فإن أخرج غَيْرَ الْمَكِّيَّةِ لَمْ تُجْزِهِ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ مِثْلَ الْمَكِّيَّةِ أَوْ فَوْقَهَا، وَإِنْ كَانَ بَصْرِيًّا فَمِنْ غَنَمِ الْبَصْرَةِ ضَأْنًا أَوْ مِعْزَى، فَإِنْ أَخْرَجَ مِنْ غَيْرِ الْبَصْرِيَّةِ لَمْ تُجْزِهِ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ مِثْلَ الْبَصْرِيَّةِ أَوْ فَوْقَهَا، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ مَا أُطْلِقَ ذِكْرُهُ مِنْ غَيْرِ وَصْفٍ فَوَصْفُهُ مَحْمُولٌ عَلَى غَالِبِ الْبُلْدَانِ كَأَثْمَانِ الْمَبِيعَاتِ.

وَأَمَّا النَّوْعُ فَالْمُزَكِّي مُخَيَّرٌ فِيهِ بَيْنَ الضَّأْنِ وَالْمِعْزَى، وَلَا اعْتِبَارَ بِغَالِبِ غَنَمِ الْبَلَدِ، وَقَالَ مَالِكٌ اعْتِبَارُ غَنَمِ الْبَلَدِ وَاجِبٌ فِي النَّوْعِ كَمَا كَانَ وَاجِبًا فِي الْجِنْسِ، فإن كان غَنَمِ الْبَلَدِ الضَّأْنَ لَمْ آخُذِ الْمَعِزَ، وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ الْمَعِزَ لَمْ آخُذِ الضَّأْنَ، وَهَذَا غلط، لأن النوع قد ورد الشرع بِتَحْدِيدِ أَصْلِهِ وَالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ جَمِيعِهِ، فَلَمْ يَحْتَجْ مَعَ وُرُودِ الشَّرْعِ بِهِ إِلَى اعْتِبَارِ غَالِبِ البلد، وكان هذا الخلاف الْجِنْسِ الْمُطْلَقِ ذِكْرُهُ فِي الشَّرْعِ.

مَسْأَلَةٌ:

قَالَ الشافعي رضي الله عنه: " وإذا كانت إبله كراماً لم يأخذ منه الصَّدَقَةَ دُونَهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ لِئَامًا لَمْ يكن لنا أن نأخذ مِنْهَا كِرَامًا ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِنَّمَا أَرَادَ كِرَامَ الْجِنْسِ، كَالْبُخْتِ النَّجَّارِيَّةِ وَالْعِرَابِ الْمَجِيدِيَّةِ، فَالْوَاجِبُ أَنْ تُؤْخَذَ زَكَاتُهَا كِرَامًا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلاَ تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} (البقرة: ٢٦٧) وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَالُهُ لِئَامًا لَمْ يُكَلَّفْ زَكَاتَهَا كِرَامًا، كَذَلِكَ إِذَا كَانَ مَالُهُ كِرَامًا لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهَا لِئَامًا، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ كِرَامَ الْوَصْفِ فَكَانَتْ سماناً لم تؤخذ زَكَاتُهَا إِلَّا سِمَانًا، فَأَمَّا إِنْ كَانَتْ كِرَامَ السِّنِّ فَكَانَتْ جِذَاعًا وَثَنَايَا وَكَانَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ، لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهَا إِلَّا بِنْتُ مَخَاضٍ مِنْ جِنْسِهَا، وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا جَذَعَةٌ وَلَا ثَنِيَّةٌ، وَلِأَنَّ زِيَادَةَ السِّنِّ تَجْرِي مَجْرَى زِيَادَةِ الْعَدَدِ، فَلَوْ أُخِذَتِ الْجَذَعَةُ مِنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ إِذَا كانت جذاعاً لبطل اعتبار النصب، ولا يستوي فَرْضُ قَلِيلِ الْإِبِلِ وَكَثِيرِهَا، وَكَرَامَةُ الْجِنْسِ لَا تَجْرِي مَجْرَى زِيَادَةِ الْعَدَدِ، وَلَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي زِيَادَةِ الْفَرْضِ، فَلِذَلِكَ وَقَعَ بَيْنَهُمَا الْفَرْقُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>