للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْحَوْلِ، إِلَّا أَنَّ حَوْلَهَا تَارَةً يَكُونُ بِنَفْسِهَا وَتَارَةً يَكُونُ بِغَيْرِهَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُتْبِعَ الْغَيْرَ فِي الْحَوْلِ، وَلَا حَوْلَ لِلْغَيْرِ، فَثَبَتَ أَنَّ حَوْلَهَا مُعْتَبَرٌ بِنَفْسِهَا.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى النِّصَابِ، فَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْحَوْلَ ثَابِتٌ لِلْأُمَّهَاتِ، فَجَازَ أَنْ تَتْبَعَهَا السِّخَالُ فِي حَوْلِهَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَا دُونَ النِّصَابِ، وَأَمَّا اسْتِشْهَادُهُمْ بِالْأُصُولِ فِي زَكَاةِ الْعُرُوضِ، وَمَسْأَلَةِ الرِّكَازِ فَالْجَوَابُ عَنْهُ، أَنْ يُقَالَ: أَمَّا مَسْأَلَةُ عُرُضِ التِّجَارَةِ إِذَا اشْتَرَاهُ بِدُونِ النِّصَابِ ثُمَّ بَاعَهُ بِنِصَابٍ، فَقَدْ كَانَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ يُسَوِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَ السِّخَالِ، وَيَقُولُ: لَا زَكَاةَ فِيهِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ الْعُرْضَ بِنِصَابٍ، أَوْ تَكُونَ قِيمَتُهُ يَوْمَ الشِّرَاءِ نِصَابًا، فَعَلَى هَذَا سَقَطَ السُّؤَالُ.

وَقَالَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا: وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ إِنَّ زَكَاةَ الْعُرْضِ وَاجِبَةٌ إِذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ عِنْدَ الْحَوْلِ نِصَابًا، وَإِنْ كَانَ قَدِ اشْتَرَاهُ بِدُونِ النِّصَابِ، فَعَلَى هَذَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السِّخَالِ أَنَّ اعْتِبَارَ تَقْوِيمِ الْعُرْضِ بِنِصَابٍ يَشُقُّ غَالِبًا، وَلَا يَشُقُّ أَنْ يُعْتَبَرَ كَوْنُ الْأُمَّهَاتِ نِصَابًا، فَلِذَلِكَ سَقَطَ اعْتِبَارُ النِّصَابِ في الأمهات، لارتفاع مشقته، توضيح ذَلِكَ أَنَّهُ لَوِ اشْتَرَى عُرْضًا بِنِصَابٍ، ثُمَّ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ فِي تَضَاعِيفِ الْحَوْلِ عَنِ النِّصَابِ، ثُمَّ عَادَتِ الْقِيمَةُ عِنْدَ الْحَوْلِ إِلَى النِّصَابِ، لَزِمَتْهُ الزَّكَاةُ وَلَمْ يَسْقُطْ حُكْمُ مَا مَضَى مِنَ الْحَوْلِ بِنُقْصَانِ الْقِيمَةِ، وَلَوْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً فَتَلِفَ مِنْهَا فِي تَضَاعِيفِ الْحَوْلِ شَاةٌ، ثُمَّ مَلَكَ مَكَانَهَا شَاةً بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ اسْتُؤْنِفَ الْحَوْلُ، وَبَطَلَ حُكْمُ مَا مَضَى مِنْهُ بِنُقْصَانِ الشَّاةِ، فَقَدْ وَضَحَ بِمَا بَيَّنَاهُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْعُرْضِ وَالسِّخَالِ.

وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الرِّكَازِ فَقَدِ اختلف أصحابنا فِيهَا، فَكَانَ بَعْضُهُمْ يُوجِبُ الزَّكَاةَ فِي الْمِائَةِ الرِّكَازِ دُونَ غَيْرِهَا لِأَنَّ الرِّكَازَ مِمَّا يُعْتَبَرُ فِيهِ النِّصَابُ وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْحَوْلُ، وَالْمِائَةُ الْأُخْرَى يُعْتَبَرُ فِيهَا النِّصَابُ وَالْحَوْلُ، فَلِذَلِكَ وَجَبَتْ زَكَاةُ الرِّكَازِ لِوُجُودِ النِّصَابِ، وَلَمْ تَجِبْ زَكَاةُ المائة الأخرى لفقد الحول، فعلى هذا القول السُّؤَالُ سَاقِطٌ، وَقَالَ آخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا بَلْ زَكَاتُهَا وَاجِبَةٌ، لِأَنَّ النِّصَابَ فِيهَا مَوْجُودٌ، وَالْحَوْلَ فيما يعتبر فيه مَوْجُودٌ، فَوَجَبَ أَنْ تَلْزَمَ الزَّكَاةُ فِيهَا لِوُجُودِ شَرْطِ الْإِيجَابِ فِيهَا، فَعَلَى هَذَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السِّخَالِ أَنَّ الرِّكَازَ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الحول، والسخال يعتبر فِيهَا الْحَوْلُ، إِمَّا بِنَفْسِهَا أَوْ تَبَعًا لِأُمَّهَاتِهَا، فَافْتَرَقَ حُكْمُهُمَا فِي الزَّكَاةِ لِافْتِرَاقِ مَعْنَاهُمَا فِي الْوُجُوبِ.

فَصْلٌ

: وَأَمَّا الشَّرْطُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنْ تَكُونَ السِّخَالُ مِنْ نِتَاجِ غَنَمِهِ، فَقَدْ خَالَفَ أبو حنيفة وَمَالِكٌ فِي اعْتِبَارِ هَذَا الشَّرْطِ فقالا: كل ما استفاد من جنس ما ضمه إليه في حوله، وإخراج زَكَاتَهُ تَبَعًا لِمَالِهِ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ نِتَاجِ مَالِهِ، أَوْ مَلَكَهُ بِابْتِيَاعٍ أَوْ هِبَةٍ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا بَعْدُ، لَكِنْ تقدم الكلام فيها، لأن هذا الوضع أليق بها، فأما مخالفنا فاستدل

<<  <  ج: ص:  >  >>