للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

برواية ابن الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: " اعلموا شهراً تودون فِيهِ زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ، فَمَا حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَى يِجِيءَ رَأْسُ السَّنَةِ " فقد بين أن السنة تجمع لزكاة المالين جميعاً من الأصل المستفاد، وَبِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ " فِي خَمْسٍ شَاةٌ، ثُمَّ لَا شَيْءَ فِي زِيَادَتِهَا حَتَّى تَبْلُغَ عَشْرًا " فَاقْتَضَى الظَّاهِرُ أَنَّهَا مَتَى بَلَغَتْ عَشْرًا بِفَائِدَةٍ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا وَجَبَ تَغْيِيرُ الْفَرْضِ بِهَا، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لساعيه " عُدَّ عَلَيْهِمْ صَغِيرَهَا وَكَبِيرَهَا " وَلَمْ يُفَرِّقْ، وَلِأَنَّهَا زيادة من نفس ماله، فوجب إذا لم يزل بَدَلُهُ أَنْ يَضُمَّهُ إِلَى حَوْلِ مَا عِنْدَهُ، كَالنِّتَاجِ وَأَرْبَاحِ التِّجَارَاتِ، وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ تَفْتَقِرُ إِلَى عَدَدٍ وَأَمَدٍ، فَالْعَدَدُ النِّصَابُ، وَالْأَمَدُ الْحَوْلُ، فَلَمَّا لَمْ يُعْتَبَرْ فِي الْمُسْتَفَادِ النِّصَابُ لَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ الْحَوْلُ.

وَالدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَالٍ مُسْتَفَادٍ مِنْ غَيْرِ النِّتَاجِ يَجِبُ اسْتِئْنَافُ حَوْلِهِ وَلَا يَكُونُ تَابِعًا لِحَوْلِهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لا زكاة على مالٍ حتى يحول عليه الْحَوْلُ " فَكَانَ عَامًّا وَرَوَى زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " لَيْسَ فِي الْمَالِ الْمُسْتَفَادِ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ " وَهَذَا نَصٌّ، وَقَدْ رَوَاهُ أَيْضًا جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَرَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَلِأَنَّهُ أَصْلٌ فِي نَفْسِهِ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ حَوْلُهُ بِغَيْرِهِ. أَصْلُهُ: إِذَا كَانَتِ الْفَائِدَةُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ مَالِهِ، وَلِأَنَّهَا فَائِدَةٌ غَيْرُ مُتَوَلَّدَةٍ مِمَّا عِنْدَهُ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهَا، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حَوْلُهَا مُعْتَبَرًا بِنَفْسِهَا، أَصْلُهُ مَا وَافَقَنَا عَلَيْهِ أبو حنيفة فِيمَنْ مَعَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ، قَدْ أخرج زكاتها، وأربعون من الغنم من بَقِيَ شَهْرٌ مِنْ حَوْلِهَا، فَاشْتَرَى بِالْمِائَتَيْنِ إِحْدَى وَثَمَانِينَ شَاةً.

قَالَ أبو حنيفة: لَا يَجِبُ أَنْ يُزَكِّيَهَا بِحَوْلِ الْأَرْبَعِينَ، وَيَسْتَأْنِفُ لَهَا الْحَوْلَ مِنْ يَوْمِ مَلَكَهَا، لِأَنَّهُ قَدْ زَكَّى أَصْلَهَا وَهُوَ الْمِائَتَانِ، وَلَوْ لَمْ يُزَكِّ أَصْلَهَا ضَمَّهَا، وَهَذَا حُجَّةٌ عَلَيْهِ مُقْنِعَةٌ، وَلِأَنَّ فِي ضَمِّ الْمَالِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ غَيْرِ النِّتَاجِ مَا يُؤَدِّي إِلَى مُخَالَفَةِ أَصُولِ الزَّكَوَاتِ، لِأَنَّهَا تَجِبُ فِي الْحَوْلِ مَرَّةً، وَذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى إِيجَابِهَا فِي الحول مراراً.

مثال: فِيمَنْ مَعَهُ خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ قَدْ بَقِيَ مِنْ حَوْلِهَا يَوْمٌ، فَابْتَاعَ خَمْسًا مِنَ الْإِبِلِ فَزَكَّاهَا بَعْدَ يَوْمٍ ثُمَّ بَاعَهَا عَلَى رَجُلٍ مَعَهُ خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ قَدْ بَقِيَ مِنْ حَوْلِهَا يَوْمٌ فَزَكَّاهَا الثَّانِي بَعْدَ يَوْمٍ ثُمَّ بَاعَهَا عَلَى ثَالِثٍ حَالُهُ كَذَلِكَ، ثُمَّ عَلَى رَابِعٍ، وَخَامِسٍ فَيُؤَدِّي زَكَاةَ الْخَمْسِ فِي السَّنَةِ الْوَاحِدَةِ مِرَارًا، وَهَذَا مُنَافٍ لِأُصُولِ الزَّكَوَاتِ الْمُقَدَّرَةِ عَلَى إِيجَابِهَا فِي كُلِّ حَوْلٍ مَرَّةً.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " اعْلَمُوا شَهْرًا تُؤَدُّونَ فِيهِ زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ، فَمَا حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَى يِجِيءَ رَأْسُ السَّنَةِ " فَلَا حُجَّةَ فِيهِ، لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ رَأْسَ السَّنَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>