للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مسألة:]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ أَدَّى فِي أَحَدِ الْبَلَدَيْنِ عَنِ الْأَرْبَعِينَ شَاةً مُتَفَرِّقَةً كَرِهْتُ ذَلِكَ وَأَجْزَأَهُ، وَعَلَى صَاحِبِ الْبَلَدِ الْآخَرِ أَنْ يُصَدِّقَهُ فَإِنِ اتَّهَمَهُ أَحْلَفَهُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا الزَّكَاةُ فَلَا يَجُوزُ إِخْرَاجُهَا إِلَّا فِي بَلَدِ الْمَالِ وَجِيرَانِهِ سَوَاءٌ كَانَ رَبُّ الْمَالِ مُقِيمًا أَوْ بَائِنًا عَنْهُ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أُمِرْتُ أَنْ آخُذَ الزَّكَاةَ مِنْ أَغْنِيَائِكُمْ فَأَرُدَّهَا فِي فُقَرَائِكُمْ " فَإِنْ أَخْرَجَ زَكَاةَ مَالِهِ فِي غير بلده وجيرانه، كان مسيئاً، وفي الآخر قولان:

أحدهما: أنه يجزئه.

والثاني: لا يجزئه وَسَنَذْكُرُ تَوْجِيهَ الْقَوْلَيْنِ فِي مَوْضِعِهِمَا مِنْ كِتَابِ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ فَصُورَةُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فِي رَجُلٍ مَعَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً عِشْرُونَ مِنْهَا بِالْبَصْرَةِ وَعِشْرُونَ بِبَغْدَادَ، فَعَلَيْهِ إِخْرَاجُ نِصْفِ شَاةٍ بِالْبَصْرَةِ عَنِ الْعِشْرِينَ الَّتِي بِهَا، وَنِصْفِ شَاةٍ بِبَغْدَادَ عَنِ الْعِشْرِينَ الَّتِي بِهَا، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى إِخْرَاجِ نصف شاة باقيها للفقراء أو المساكين من أهل الصدقات أجزاه وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ فَأَخْرَجَ نِصْفَ شَاةِ بِاقِيهَا لَهُ أَوْ لِرَجُلٍ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ مَعَ الْقُدْرَةِ على ما سواه، فالصحيح أنه يجزئه وَلَا اعْتِبَارَ بِوَصْفِ مَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إِخْرَاجُهُ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ لَا يُجْزِيهِ حَتَّى يَكُونَ بَاقِي الشَّاةِ مِلْكًا لِأَهْلِ الصَّدَقَاتِ فَيَكْمُلُ لَهُمْ نَفْعُهَا، لِأَنَّ فِي تَبْعِيضِ الشَّاةِ إيقاع ضررهم، وَإِدْخَالَ نَقْصٍ فِي حَقِّهِمْ، وَهَذَا تَعَسُّفٌ يُؤَدِّي إِلَى تَكْلِيفِ مَا يَتَعَذَّرُ، وَاعْتِبَارُ وَصْفِ مَا لم يَلْزَمُ فَإِنْ عَدَلَ عَنْ جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا وَأَخْرَجَ شَاةً كَامِلَةً فِي أَحَدِ الْبَلَدَيْنِ عَنْ جَمِيعِ الْمَالَيْنِ فَقَدْ أَجْزَأَهُ نِصْفُهَا عَمَّا فِيهِ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي إِجْزَاءِ النِّصْفِ الْآخَرِ فَكَانَ ابْنُ الْوَكِيلِ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يُخَرِّجُونَ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمَاضِيَيْنِ فِي نَقْلِ الزَّكَاةِ مِنْ بَلَدِ المال إلى غيره، أحدهما يجزئه، والثاني لا يجزئه، وكان باقي أصحابنا يقولون يجزئه ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَعًا: لِأَنَّ فِي تَبْعِيضِ الشَّاةِ مَشَقَّةً لَاحِقَةً، وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ وَالِي الْبَلَدَيْنِ وَاحِدًا أَوِ اثْنَيْنِ، فَعَلَى هَذَا إِنْ طَالَبَهُ وَالِي الْبَلَدِ الْآخَرِ بِأَدَاءِ زَكَاتِهِ فَأَخْبَرَهُ بِأَدَائِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، فَإِنْ صَدَّقَهُ لَمْ يُحَلِّفْهُ، وَإِنِ اتَّهَمَهُ، أَحْلَفَهُ، وَفِي هَذِهِ الْيَمِينِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: اسْتِظْهَارٌ، فَعَلَى هَذَا إِنْ نَكَلَ عَنْهَا لَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُ الزَّكَاةُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا وَاجِبَةٌ فَعَلَى هَذَا إِنْ نَكَلَ عَنْهَا أُخِذَتْ مِنْهُ الزَّكَاةُ لَا بِنُكُولِهِ وَلَكِنْ بِالظَّاهِرِ الْمُتَقَدِّمِ وَأَنَّ مَا ادَّعَاهُ مِنَ الْأَدَاءِ مُخَالِفٌ لَهُ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ لَا يَجُوزُ أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُ الزَّكَاةُ بِنُكُولِهِ لَكِنْ يُحْبَسُ حَتَّى يَحْلِفَ، أَوْ يُؤَدِّيَ، لِأَنَّ فِي أَخْذِ الزَّكَاةِ مِنْهُ حُكْمًا عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ غَلَطٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ، وَعَلَى نَفْسِهِ، فَأَمَّا غَلَطُهُ عَلَى الشَّافِعِيِّ، فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ خَالَفَ نَصَّ مذهبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>