للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[باب صدقة الخلطاء]

قال الشافعي رضي الله عنه: جاء الحديث " لا يجمع بين مفترق وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ ".

قال الماوردي: وهذا صحيح الملكة من المواشي ضربان: (الأول) خلطة أعيان. (والثاني) وخلطه أَوْصَافٍ، وَالْحُكْمُ فِيهِمَا سَوَاءٌ، إِذَا كَانَتْ شَرَائِطُ الْخُلْطَةِ فِيهِمَا مَوْجُودَةً، عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ هَلْ يُرَاعَى فِي زَكَاتِهَا الْمَالُ أَوِ الْمُلَّاكُ، عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ:

أَحَدُهَا: وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْمُرَاعَى فِيهِ الْمَالُ دُونَ الْمُلَّاكِ، فَإِذَا كَانَتْ أَرْبَعُونَ مِنَ الْغَنَمِ بَيْنَ خَلِيطَيْنِ أَوْ خُلَطَاءَ زَكَّوْا زَكَاةَ الْوَاحِدِ، وَكَانَ على جماعتهم شاة، ولو كان مائة وعشرين شاة بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَنْفُسٍ، كَانَ عَلَيْهِمْ شَاةٌ، عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثُهَا، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، والليث بن سعد، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق.

المذهب الثَّانِي: قَالَهُ أبو حنيفة وَالثَّوْرِيُّ: أَنَّ الْمُرَاعَى الْمُلَّاكُ، وَأَنَّ الْخَلِيطَيْنِ يُزَكِّيَانِ زَكَاةَ الِاثْنَيْنِ، فَإِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا أَرْبَعُونَ مِنَ الْغَنَمِ فَلَا زَكَاةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، لِأَنَّ مَالَهُ دُونَ النِّصَابِ ولو كان ثَمَانُونَ شَاةً وَجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شاة، ولو كانت مائة وعشرين بَيْنَ ثَلَاثَةٍ وَجَبَ عَلَيْهِمْ ثَلَاثُ شِيَاهٍ، وَلَيْسَ لخلطهم تَأْثِيرٌ فِي الزَّكَاةِ.

وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: قَالَهُ مَالِكٌ: إِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْخَلِيطَيْنِ نِصَابٌ زَكَّيَا زَكَاةَ الْوَاحِدِ، كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَإِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَقَلُّ مِنْ نِصَابٍ فَحُكْمُهُ حكم الانفراد كقول أبي حنيفة كان يَقُولُ فِي خَلِيطَيْنِ بَيْنَهُمَا أَرْبَعُونَ شَاةً لَا زَكَاةَ عَلَيْهِمَا، وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا ثَمَانُونَ كَانَ عَلَيْهِمَا شَاةٌ.

فَصْلٌ

وَاسْتَدَلَّ مَنْ نَصَرَ قَوْلَ أبي حنيفة بِرِوَايَةِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا وَلَّاهُ الْبَحْرَيْنِ كَتَبَ لَهُ كِتَابَ الصَّدَقَاتِ، وَقَالَ فِيهِ إِذَا لَمْ تَبْلُغْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ أَرْبَعِينَ فَلَا شَيْءَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْخُلْطَةَ لَا تَأْثِيرَ لَهَا، وما رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ " لَا خِلَاطَ وَلَا وِرَاطَ " يُرِيدُ أَنَّ الْخُلْطَةَ فِي الْمَوَاشِي لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي الزَّكَوَاتِ، وَلِأَنَّ مِلْكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>