للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَصْلٌ

: فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ الْخُلْطَةَ فِي غَيْرِ الْمَوَاشِي لَا تَصِحُّ فَلَا زَكَاةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنَ الْخَلِيطَيْنِ حَتَّى يَكُونَ مِلْكُهُ نِصَابًا، وَإِذَا قِيلَ إِنَّ الْخُلْطَةَ فِي غَيْرِ الْمَوَاشِي جَائِزَةٌ كَهِيَ فِي الْمَاشِيَةِ صَحَّتْ فِيهَا خُلْطَةُ الْأَعْيَانِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَا شَرِيكَيْنِ فِي أَرْضٍ ذَاتِ نَخْلٍ وَزَرْعٍ أَخْرَجَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، أَوْ يَكُونَا شَرِيكَيْنِ فِي عِشْرِينَ دِينَارًا أو مائة دِرْهَمٍ، فَأَمَّا خُلْطَةُ الْأَوْصَافِ فَهَلْ تَصِحُّ فِيهَا أَمْ لَا عَلَى وَجْهَيْنِ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ أَرْضُ أَحَدِهِمَا تُلَاصِقُ أَرْضَ الْآخَرِ وَيَكُونَ شُرْبُهُمَا وَاحِدًا وَالْقَيِّمُ بِهِمَا وَاحِدًا، أَوْ يَكُونَ لِهَذَا مائة درهم وَيَكُونَ لِهَذَا مِائَةُ دِرْهَمٍ فِي كِيسٍ، وَيَكُونُ حَافِظُهُمَا وَاحِدًا وَحِرْزُهُمَا وَاحِدًا، فَأَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ أَنَّ هَذِهِ الْخُلْطَةَ لَا تَصِحُّ لِأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنَ الِاخْتِلَاطِ، وَهَذِهِ مُجَاوَرَةٌ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ هَذِهِ الْخُلْطَةَ تَصِحُّ، لِأَنَّ مَعْنَى الْخُلْطَةِ ارْتِفَاقُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْخَلِيطَيْنِ بِصَاحِبِهِ، وَقَدْ يَرْتَفِقَانِ فِي هذه الخلطة لقلة المؤونة.

فَصْلٌ

: فَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ حائطاً صدقته مجزئة عَلَى مِائَةِ إِنْسَانٍ لَيْسَ فِيهَا إِلَّا عَشْرَةُ أَوْسُقٍ أَمَا كَانَتْ فِيهِ صَدَقَةُ الْوَاحِدِ؟ وَهَذَا أَرَادَ بِهِ مَالِكًا حَيْثُ مَنَعَ مِنَ الْخُلْطَةِ فِي غَيْرِ الْمَوَاشِي، وَقَالَ فِي وَقْفٍ عَلَى جَمَاعَةٍ: أَخْرَجَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ أَنَّ عَلَيْهِمُ الزَّكَاةَ، فَأَوْرَدَهُ الشَّافِعِيُّ إِفْسَادًا لِمَذْهَبِهِ وكسراً لأصله، فإن قيل هذا يَلْزَمُ مَالِكًا، لِأَنَّ الْوَقْفَ عِنْدَهُ لَا يُمَلَّكُ، قُلْنَا: الْوَقْفُ وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ غَيْرَ مَمْلُوكٍ فَالثَّمَرَةُ مَمْلُوكَةٌ، فَكَانَ مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ قَدْحًا دَاخِلًا عَلَيْهِ، وَلِلشَّافِعِيِّ فِي رَقَبَةِ الْوَقْفِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: مِلْكٌ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّ لَيْسَ له بيعة ك " ام الْوَلَدِ ".

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ بَلْ قَدْ زَالَ الْمِلْكُ عَنْهُ وَصَارَ خَالِصًا لِلَّهِ تعالى كالعبد المعتق، وعلى كل الْقَوْلَيْنِ الزَّكَاةُ فِي زَرْعِ الْوَقْفِ وَثَمَرَتِهِ وَاجِبَةٌ، فَإِنْ قِيلَ إِنَّ الْخُلْطَةَ فِيهِ لَا تَصِحُّ فَلَا زَكَاةَ حَتَّى تَبْلُغَ حِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، وَإِنْ قِيلَ إِنَّ الْخُلْطَةَ فِيهِ تَصِحُّ عَلَى قَوْلِهِ الْجَدِيدِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ إِذَا بَلَغَ جَمِيعُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ إِذَا كَانَ عَلَى قَوْمٍ مُعَيَّنِينَ، فَإِنْ كَانَ عَامًّا عَلَى مَنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ مِنَ الْفُقَرَاءِ أَوِ الْمَسَاكِينِ، أَوْ عَلَى مَا لَا يَصِحُّ أَنْ يُمَلَّكَ مِنَ الْمَسَاجِدِ وَالْمَصَانِعِ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ، لِأَنَّ الزكاة تجب على ملك مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ أَنَّ رَجُلًا وَقَفَ رِقَابَ أَرْبَعِينَ مِنَ الْغَنَمِ سَائِمَةً، فإن قيل رَقَبَةَ الْوَقْفِ لَا تُمَلَّكُ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا، وَإِنْ قِيلَ إِنَّ رَقَبَةَ الْوَقْفِ مَمْلُوكَةٌ فَفِي إِيجَابِ زَكَاتِهَا وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَاجِبَةٌ لِأَنَّهَا مِلْكٌ لِمَنْ تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ.

وَالثَّانِي: أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَهُوَ أَصَحُّ، لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً فَمِلْكُهَا غير تام كالمكاتب، ألا تراه لايقدر على بيعها ورهنها، والله أعلم بالصواب.

<<  <  ج: ص:  >  >>