للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَصَحُّهُمَا: وَقْتُ الدَّفْعِ وَالتَّعْجِيلُ لِأَنَّهُ بِالدَّفْعِ مَلَكَ.

وَالثَّانِي: وَقْتُ التَّلَفِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا بعد الدفع لرجع بِهِ، فَإِذَا كَانَ تَالِفًا رَجَعَ بِقِيمَتِهِ، وَإِنْ كَانَ مَا تَعَجَّلَهُ الْفَقِيرُ مَوْجُودًا بَعْدَ مَوْتِهِ، لَمْ يَخْلُ حَالُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ:

إِمَّا أَنْ يَكُونَ زَائِدًا، أَوْ نَاقِصًا، أَوْ بِحَالِهِ لَمْ يَزِدْ وَلَمْ يَنْقُصْ، فَإِنْ كَانَ بِحَالِهِ اسْتُرْجِعَ مِنْهُ، فَإِنْ رَأَى الْوَالِي أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى وَارِثِهِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ السُّهْمَانِ جَازَ وَإِنْ كَانَ زَائِدًا فَالزِّيَادَةُ ضَرْبَانِ: مُتَمَيِّزَةٌ، وَغَيْرُ مُتَمَيِّزَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُتَمَيِّزَةٍ كَالسِّمَنِ وَالْكِبَرِ، فإنه يرجع به وزيادته؛ لأن الزيادة تميزت بمنع الْعَيْنَ، وَإِنْ كَانَتِ الزِّيَادَةُ مُتَمَيِّزَةٌ كَاللَّبَنِ وَالنِّتَاجِ، رَجَعَ بِهِ دُونَ زِيَادَتِهِ، وَتَكُونُ الزِّيَادَةُ لِوَارِثِهِ، لِأَنَّ الْفَقِيرَ قَدْ مَلَكَ الْعَيْنَ بِالدَّفْعِ، فَكَانَتِ الزِّيَادَةُ حَادِثَةً عَنْ مِلْكِهِ، فَكَانَ أَمْلَكَ بِهَا مِنْ غَيْرِهِ، كَالْمَبِيعِ إِذَا رُدَّ بِعَيْبٍ، وَإِنْ كَانَ نَاقِصًا، فَالنُّقْصَانُ ضَرْبَانِ: مُتَمَيِّزٌ، وَغَيْرُ مُتَمَيِّزٍ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُتَمَيِّزٍ كَالْمَرَضِ وَالْهُزَالِ، رَجَعَ بِهِ نَاقِصًا، وَلَمْ يَسْتَحِقَّ أَرْشَ نُقْصَانِهِ، لِأَنَّهُ تَطَوَّعَ بِتَعْجِيلِهِ، فَإِنْ رَأَى الْوَالِي أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى وَارِثِهِ لَمْ يَجُزْ لِنَقْصِهِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ النَّقْصِ عَلَى وَصْفِ مَالِ الدَّافِعِ، وَإِنْ كَانَ النَّقْصُ مُتَمَيِّزًا كَبَعِيرَيْنِ تَلِفَ أَحَدُهُمَا وَبَقِيَ الْآخَرُ، رَجَعَ بِالْبَاقِي وَبِمِثْلِ التَّالِفِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَبِقِيمَتِهِ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي، وَفِي اعتبار قيمة زمانه وَجْهَانِ عَلَى مَا مَضَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

مَسْأَلَةٌ:

قَالَ الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ أَيْسَرَا قَبْلَ الْحَوْلِ فَإِنْ كَانَ يُسْرُهُمَا مما دفع إليهما فإنما بُورِكَ لَهُمَا فِي حَقِّهِمَا فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُمَا وإن كان يسرهما من غير ما أُخِذَ مِنْهُمَا مَا دُفِعَ إِلَيْهِمَا لِأَنَّ الْحَوْلَ لَمْ يَأْتِ إِلَّا وَهُمَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الصَّدَقَةِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا، وَهُوَ أَنْ يَتَعَجَّلَ الْوَالِي الصَّدَقَةَ لَأَهْلِ السُّهْمَانِ، وَيَدْفَعَهَا إِلَى فَقِيرٍ أَوْ فَقِيرَيْنِ، فيستغني من تعجيلها، فَلَا يَخْلُو حَالُ اسْتِغْنَائِهِ وَيَسَارِهِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْحَوْلِ، أَوْ بَعْدَهُ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْحَوْلِ فَلَا يَسْتَرْجِعُ مِنْهُ مَا تَعَجَّلَهُ، سَوَاءٌ كَانَ يَسَارُهُ مِمَّا تَعَجَّلَهُ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ وَقْتَ الْوُجُوبِ، وَإِنْ كَانَ يَسَارُهُ قَبْلَ الْحَوْلِ، فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مِمَّا تَعَجَّلَهُ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ يَسَارُهُ مِمَّا تَعَجَّلَهُ لَمْ يَسْتَرْجِعْ مِنْهُ لِأَمْرَيْنِ.

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْدَ الْحَوْلِ فَقِيرًا، جَازَ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ مِنَ الزَّكَاةِ مَا يَسْتَغْنِي بِهِ، فَإِذَا كَانَ غَنِيًّا بِهِ فَلَا مَعْنَى لِاسْتِرْجَاعِهِ.

وَالثَّانِي: إِنَّهُ إِذَا اسْتَرْجَعَ مِنْهُ صَارَ فَقِيرًا يَسْتَحِقُّ أَخْذَ الزَّكَاةِ، فَلَا مَعْنَى لِأَخْذِهَا مِنْهُ وَرَدِّهَا عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ يَسَارُهُ مِنْ غَيْرِ مَا تَعَجَّلَهُ وَجَبَ اسْتِرْجَاعُ مَا أَخَذَهُ، بِخِلَافِ قَوْلِ أبي

<<  <  ج: ص:  >  >>