للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: صُورَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: فِي رَجُلٍ مَعَهُ نِصَابٌ بَاعَهُ بَعْدَ وُجُوبِ زَكَاتِهِ كَأَرْبَعِينَ شَاةً، أَوْ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً، أَوْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، أو عشرين ديناراً أو مائتي درهم. فهذا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَبِيعَهَا بَعْدَ أَدَاءِ الزَّكَاةِ عَنْهَا.

وَالثَّانِي: أَنْ يَبِيعَهَا بَعْدَ اشْتِرَاطِ الزَّكَاةِ مِنْهَا.

وَالثَّالِثُ: أَنْ يَبِيعَ جَمِيعَهَا بَيْعًا مُطْلَقًا، فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ إِذَا بَاعَهَا بعد أداء الزكاة عنها فالبيع في جميعها جائز، لِأَنَّهُ قَدْ أَسْقَطَ حَقَّ الْمَسَاكِينِ مِنْهَا، وَصَارَ جَمِيعُهَا مِلْكًا لَهُ خَالِصًا.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَبِيعَهَا وَيَشْتَرِطَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَدَاءَ الزَّكَاةِ مِنْهَا، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَبِيعَهُ الْجَمِيعُ وَيَشْتَرِطَ عَلَيْهِ دَفْعَ الزَّكَاةِ، فَهَذَا بَيْعٌ بَاطِلٌ، وَشَرْطٌ بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ شَرَطَ عَلَى الْمُشْتَرِي تَحَمُّلَ الزَّكَاةِ عَنْهُ، وَذَلِكَ يُنَافِي مُوجِبَ الْعَقْدِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَسْتَثْنِيَ قَدْرَ الزَّكَاةِ مِنَ الْبَيْعِ، وَيُوقِعَ الْعَقْدَ عَلَى مَا سِوَى قَدْرِ الزَّكَاةِ، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مِمَّا تَتَمَاثَلُ أَجْزَاؤُهُ كَالْحُبُوبِ وَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، فَهَذَا بَيْعٌ جَائِزٌ سَوَاءٌ كَانَ قَدْرَ الزَّكَاةِ مُعَيَّنًا أو شايعاً.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مِمَّا تَتَفَاضَلُ أَعْيَانُهُ وَلَا تَتَفَاضَلُ أَجْزَاؤُهُ كَالْمَاشِيَةِ، فَذَلِكَ ضَرْبَانِ.

أَحَدُهُمَا: أَنْ يُعَيِّنَ مَا اسْتَثْنَاهُ لِلزَّكَاةِ.

وَالثَّانِي: أَنْ لَا يُعَيِّنَ، فَإِنْ عَيَّنَ قَدْرَ الزَّكَاةِ مِنْهَا وَقَالَ: قَدْ بِعْتُكَ هَذِهِ الْأَرْبَعِينَ الشَّاةَ إِلَّا هَذِهِ الشَّاةَ وَأَشَارَ إِلَيْهَا فَهَذَا بَيْعٌ جَائِزٌ لتمييز الْمَبِيعِ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ قَدْرَ الزَّكَاةِ بَلْ قَالَ بِعْتُكَهَا إِلَّا شَاةً لَمْ يُشِرْ إِلَيْهَا لَمْ يَخْلُ حَالُ الْغَنَمِ مِنْ أحد أمرين إما أن تكون مختلفة لأسنان أَوْ مُتَسَاوِيَةً، فَإِنِ اخْتَلَفَتِ الْغَنَمُ فَكَانَ بَعْضُهَا صِغَارًا وَبَعْضُهَا كِبَارًا فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ، لِلْجَهْلِ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَسَاوَتِ الْغَنَمُ فِي الْأَسْنَانِ وَتَقَارَبَتْ فِي الْأَوْصَافِ، فَكَانَ جَمِيعُهَا كِبَارًا أَوْ صِغَارًا فَفِي الْبَيْعِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ لِأَنَّهَا إِذَا كَانَتْ بِهَذَا الْوَصْفِ شَابَهَتِ الْحُبُوبَ.

وَالثَّانِي: وَهُوَ أَظْهَرُ أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ تَسَاوَتْ فِي الْأَسْنَانِ فَقَدْ تَخْتَلِفُ فِي السِّمَنِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْحُبُوبُ الْمُتَمَاثِلَةُ الْأَجْزَاءِ، وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ مُخَرَّجَانِ مِنَ اخْتِلَافِ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ فِي جَعْلِ إِبِلِ الصَّدَقَةِ صَدَاقًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>