للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

احْتِمَالَ فِيهَا، فَإِنْ قِيلَ: مَا دُونَ الْخَمْسَةِ لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ فِيهِ العشر ألا ترى أنا نأخذه من المكاتب والذمي وإن لم تؤخذ مِنْهُمَا الزَّكَاةَ، قِيلَ هَذَا فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الشَّرْعَ قَدْ وَرَدَ بِتَسْمِيَةِ الْعُشْرِ زَكَاةً، وَهُوَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ لَا زَكَاةَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْحَرْثِ إِلَى قَوْلِهِ: فَإِذَا بَلَغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَفِيهِ الزَّكَاةُ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ نَفَى عَمَّا دُونَ الْخَمْسَةِ، مَا أَثْبَتَهُ فِي الْخَمْسَةِ، فَلَمْ يَصِحَّ تَأْوِيلُهُمْ وَلِأَنَّهُ جِنْسُ مال تجب فيه الزكاة فوجب أن يعتبر فيه النصاب كالفضة والذهب، ولأنه حق مَالٍ يَجِبُ صَرْفُهُ فِي الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ فَوَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ فِيهِ النِّصَابُ كَالْمَوَاشِي، وَلِأَنَّ كُلَّ حَقٍّ تَعَلَّقَ بِمَالٍ مَخْصُوصٍ اعْتُبِرَ فِيهِ قَدْرٌ مخصوص كالذهب وَالْفِضَّةِ وَعَكْسُهُ حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ، وَلِأَنَّ النِّصَابَ إِنَّمَا اعْتُبِرَ فِي الْمَوَاشِي لِيَبْلُغَ الْمَالُ حَدًّا يَتَّسِعُ لِلْمُوَاسَاةِ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الثِّمَارِ، فَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ فَعَامٌّ وَمَا ذَكَرْنَاهُ أَخَصُّ، وَأَمَّا الْخَبَرُ وَهُوَ قَوْلُهُ (فِيمَا سَقْتِ السَّمَاءُ الْعُشْرُ) فَعَنْهُ جَوَابَانِ: تَرْجِيحٌ وَاسْتِعْمَالٌ، فَأَمَّا التَّرْجِيحُ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ قَوْلَهُ " فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشْرُ " بَيَانٌ فِي الْإِخْرَاجِ مُجْمَلٌ فِي الْمِقْدَارِ، وَقَوْلُهُ: " لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ " بَيَانٌ فِي الْمِقْدَارِ مُجْمَلٌ فِي الْإِخْرَاجِ، فَكَانَ بَيَانُ الْمِقْدَارِ من خبرنا قاضياً على إجمال المقدار من خبرهم، كما أن بيان الإخراج من خبرهم قاض على إجمال الإخراج من خَبَرِنَا.

وَالثَّانِي: إِنَّ خَبَرَهُمْ مُتَّفَقٌ عَلَى تَخْصِيصِ بَعْضِهِ لِأَنَّ أبا حنيفة لَا يُوجِبُ فِي الْحَشِيشِ وَالْقَصَبِ وَالْحَطَبِ وَلَا فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ شيئاً، وخبرنا خبر متفق على تخصيص بعضه، فَكَانَ أَوْلَى مِنْ خَبَرِهِمْ.

وَأَمَّا الِاسْتِعْمَالُ فَفِي الْخَمْسَةِ الْأَوْسُقِ، لِأَنَّهُ أَعَمُّ وَخَبَرُنَا أَخَصُّ فَيُسْتَعْمَلَانِ مَعًا وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى خُمْسِ الْغَنِيمَةِ وَالرِّكَازِ، فَالْمَعْنَى فِي الْغَنِيمَةِ: إِنَّهُ لَمَّا لَمْ يُعْتَبَرِ النِّصَابُ فِي شَيْءٍ مِنْ جِنْسِهَا بِحَالٍ لَمْ يَكُنْ مُعْتَبَرًا فِيهَا بِكُلِّ حَالٍ، وَلَمَّا كَانَ النِّصَابُ مُعْتَبَرًا فِي بَعْضِ أَجْنَاسِ الزَّكَاةِ كَانَ مُعْتَبَرًا فِي جَمِيعِ أَجْنَاسِهَا.

وَأَمَّا الرِّكَازُ فَالْمَعْنَى فِيهِ: إنَّهُ مَأْخُوذٌ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَلَا تَعَبٍ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ النِّصَابُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الثِّمَارُ الَّتِي يَلْحَقُ فِيهَا تَعَبٌ وَيَلْزَمُ فِيهَا عِوَضٌ، وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْحَوْلِ فَمُنْتَقِضٌ عَلَى أَصْلِهِمْ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ، يَعْتَبِرُونَ فِيهَا النِّصَابَ وَلَا يَعْتَبِرُونَ الْحَوْلَ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى فِي الْحَوْلِ إنَّهُ قصد به تكامل النماء، وَالثِّمَارُ يَتَكَامَلُ نَمَاؤُهَا قَبْلَ الْحَوْلِ، فَسَقَطَ اعْتِبَارُ الحول

<<  <  ج: ص:  >  >>