للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ أبو حنيفة وَالثَّوْرِيُّ: خَرْصُ الثِّمَارِ لَا يَجُوزُ احْتِجَاجًا بِرِوَايَةِ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نهى عن الخرص ورواية جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَهَى عَنْ بَيْعِ كُلِّ ذِي ثَمْرَةٍ بخرصٍ، قَالُوا وَلِأَنَّ الْخَرْصَ تَخْمِينٌ وَحَدْسٌ، لِأَنَّ الْخَارِصَ لا يرجع فيه إلى أصل مقدر وَلَا يَعْمَلُ عَلَى مِثَالٍ مُتَقَدِّمٍ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ فِيهِ إِلَى مَا يَقْوَى فِي نَفْسِهِ وَيَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ، وَقَدْ يُخْطِئُ فِي أَكْثَرِهِ وَإِنْ أَصَابَ فِي بَعْضِهِ فَلَمْ يَجُزِ الْأَخْذُ بِهِ وَلَا الْعَمَلُ عَلَيْهِ، قَالُوا وَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ خَرْصُ الثِّمَارِ لِيُعْلَمَ بِهِ قَدْرُ الصَّدَقَةِ لَجَازَ خَرْصُ الزُّرُوعِ لِيُعْلَمَ بِهِ قَدْرُ الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ فِي الزُّرُوعِ لَمْ يَجُزْ فِي الثِّمَارِ.

وَتَحْرِيرُهُ قِيَاسًا: إِنَّهُ جِنْسٌ تَجِبُ فِيهِ الصدقة فلم يجز تقدير ثمرته بالخرص كالزرع، قَالُوا: وَلِأَنَّ خَرْصَ الثِّمَارِ بَعْدَ جِدَادِهَا أَقْرَبُ إِلَى الْإِصَابَةِ مِنْ خَرْصِهَا عَلَى رُؤُوسِ نَخْلِهَا، فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ فِي أَقْرَبِهِمَا مِنَ الْإِصَابَةِ لم يجز في أبعدهما، قالوا وَلِأَنَّ الْخَرْصَ عِنْدَكُمْ يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمَانِ:

أَحَدُهُمَا: الْعِلْمُ بِقَدْرِ الصَّدَقَةِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ، لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ لَوِ ادَّعَى غَلَطًا أَوْ نُقْصَانًا صُدِّقَ.

وَالْحُكْمُ الثَّانِي: تَضْمِينُ رَبِّ الْمَالِ قَدْرَ الصَّدَقَةِ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّهُ بَيْعُ رُطَبٍ بِتَمْرٍ.

وَالثَّانِي: إِنَّهُ بَيْعُ حَاضِرٍ بِغَائِبٍ، فَإِذَا كَانَ مَا يُسْتَفَادُ بِالْخَرْصِ مِنَ الْحُكْمَيْنِ مَعًا بَاطِلًا ثَبَتَ أَنَّ الْخَرْصَ غَيْرُ جَائِزٍ.

وَالدَّلَالَةُ عَلَى جَوَازِ الْخَرْصِ وُرُودُ السُّنَّةِ بِهِ، قَوْلًا وَفِعْلًا وَامْتِثَالًا.

فَأَمَّا الْقَوْلُ فيما رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي صَدْرِ الْبَابِ عَنْ عَتَّابِ بْنِ أُسَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " فِي الْكَرْمِ يُخْرَصُ كَمَا يُخْرَصُ النَّخْلُ ثُمَّ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ زَبِيبًا كَمَا تُؤَدَّى زَكَاةُ النَخْلِ تَمْرًا " فَجَعَلَ الْخَرْصَ عَلَمًا لِمَعْرِفَةِ الْحَقِّ، وجعل لأرباب الأموال أن يودوا زَبِيبًا وَتَمْرًا عَلَى مَا خَرَجَ بِالْخَرْصِ، وَلَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ مِنَ الْمَالِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ.

وَأَمَّا الْفِعْلُ فَمَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خَرَصَ حَدِيقَةَ امرأةٍ بِوَادِي الْقُرَى عَشْرَةَ أَوْسُقٍ فَلَمْ تَزِدْ وَلَمْ تَنْقُصْ وَأَمَّا الِامْتِثَالُ فَمَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ لَهُ خَرَّاصُونَ مَشْهُورُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>