للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي وَقْتِ الْخَرْصِ فَأَمَّا كَيْفِيَّةُ الْخَرْصِ فَعَلَى مَا وَصَفَهُ الشافعي، وهو: أن يأتي الخارص فيطيف بِكُلِّ نَخْلَةٍ حَتَّى يَرَى مَا فِيهَا، وَيُقَدِّرَهُ رُطَبًا وَيَنْظُرَ كَمْ يَصِيرُ تَمْرًا، ثُمَّ يَفْعَلُ كذلك بجميع النخل، فإن كَانَ النَّخْلُ نَوْعًا وَاحِدًا جَازَ أَنْ يَخْرُصَ جَمِيعَ ثِمَارِهَا رُطَبًا وَيُحْصِيَهُ، ثُمَّ يَنْظُرَ كَمْ يصير تمراً ويثبته، وإن كَانَ النَّخْلُ أَنْوَاعًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُحْصِيَ جَمِيعَ خَرْصِهِ رُطَبًا ثُمَّ يَجْعَلُهُ تَمْرًا، حَتَّى يخرص كل نوع منها رُطَبًا ثُمَّ يَجْعَلُهُ تَمْرًا حَتَّى يَخْرُصَ كُلَّ نَوْعٍ مِنْهَا رُطَبًا وَيَرُدُّهُ إِلَى الْقَدْرِ الَّذِي يَصِيرُ تَمْرًا، لِأَنَّ الرُّطَبَ قَدْ يَخْتَلِفُ فِي نُقْصَانِهِ لِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ، فَمِنْهُ مَا يَعُودُ إِلَى نِصْفِهِ وَمِنْهُ مَا يَعُودُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهِ، فَإِذَا أَحْصَى جَمِيعَ الْأَنْوَاعِ رُطَبًا ثُمَّ جَعَلَهَا تَمْرًا وَنُقْصَانُهُ مُخْتَلِفٌ أَشْكَلَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَصِحَّ لَهُ وَإِذَا كَانَ نَوْعًا صَحَّ لَهُ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَيُطِيفُ بِكُلِّ نَخْلَةٍ هَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْخَرْصِ أَوِ استظهار على ثلاثة مذاهب:

أحدهما: إِنَّهُ اسْتِظْهَارٌ وَاحْتِيَاطٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَا شَرْطٍ لَازِمٍ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَشَقَّةِ لَا سِيَّمَا مَعَ كَثْرَةِ النَّخْلِ.

وَالثَّانِي: إِنَّهُ شَرْطٌ فِي الْخَرْصِ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِهِ لِأَنَّ الْخَرْصَ اجتهاد يلزم بذل المجهود فيه.

والثالث: وهو أصحهما إنَّهُ إِنْ كَانَتِ الثَّمَرَةُ بَارِزَةً عَنِ السَّعَفِ ظَاهِرَةً مِنَ الْجَرِيدِ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْعِرَاقِ فِي تَدْلِيَةِ الثِّمَارِ لَمْ تَكُنْ إطاقة الْخَارِصِ بِكُلِّ نَخْلَةٍ شَرْطًا، بَلْ كَانَ ذَلِكَ اسْتِظْهَارًا وَاحْتِيَاطًا، لِأَنَّ جَمِيعَ ثَمَرِهَا مَرْئِيٌّ، وَإِنْ كَانَتِ الثَّمَرَةُ مُسْتَتِرَةً بِالسَّعَفِ مُغَطَّاةً بِالْجَرِيدِ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْحِجَازِ كَانَ إِطَافَةُ الْخَارِصِ بِالنَّخْلَةِ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْخَرْصِ لِأَنَّ ثَمَرَهَا خَفِيٌّ.

فَصْلٌ

: فَإِذَا عَرَفَ الْخَارِصُ مَبْلَغَ قَدْرِهَا بِالْخَرْصِ رُطَبًا وَعِنَبًا وَمَا تَصِيرُ إِلَيْهِ تمراً وزبيباً، فَقَدْ كَانَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ يَرَى أَنَّهُ يَتْرُكُ عَلَيْهِمْ مِنْ زَكَاتِهَا الثُّلُثَ أَوِ الرُّبُعَ، لِخَبَرِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ الْمُقَدَّمِ ذِكْرُهُ ليتولوا إخراجه في فقراء أهلهم، وَأَهْلِ الْحَاجَةِ مِنْ جِيرَانِهِمْ، وَيُثْبِتُ عَلَيْهِمْ مَا بَقِيَ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ فِي الْجَدِيدِ وَقَالَ: لَا يَتْرُكُ عَلَيْهِمْ شَيْئًا مِنْ زَكَاتِهَا وَيُثْبِتُ عَلَيْهِمْ جَمِيعَهَا تَمْرًا عَلَى مَا خَرَجَ به الخرص.

[مسألة:]

قال الشافعي رضي الله عنه: " ثُمَّ يُخَلِّي بَيْنَ أَهْلِهِ وَبَيْنَهُ، فَإِذَا صَارَ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا أَخَذَ الْعُشْرَ عَلَى خَرْصِهِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>