للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دُونَ غَيْرِهِ فَشَابَهَ الْحَاكِمَ، وَخَالَفَ الْمُقَوِّمَ حَيْثُ لَمْ يُنَفَّذِ الْحُكْمُ بِهِ إِلَّا بِتَنْفِيذِ الْحَاكِمِ لَهُ، ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهُ يُجْزِئُ حَاكِمٌ وَاحِدٌ، فَكَذَلِكَ يُجْزِئُ خَارِصٌ وَاحِدٌ، سَوَاءٌ كَانَ رَبُّ الْمَالِ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا، لَا كَمَا غَلِطَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فَفَرَّقَ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، فَلَمْ يُجَوِّزْ خَرْصَ مَالِ الصَّغِيرِ إِلَّا بِاثْنَيْنِ، وَجَوَّزَ خَرْصَ مَالِ الْكَبِيرِ بِوَاحِدٍ، لِأَنَّهُ رَأَى الشَّافِعِيَّ فِي " الْأُمِّ " فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ الْخَرْصَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ كَالْحُكْمِ يُجْزِئُ بِوَاحِدٍ فِي مَالِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ أَوْ يَكُونَ كَالتَّقْوِيمِ، وَالتَّقْوِيمُ لَا يُجْزِئُ إِلَّا بِاثْنَيْنِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ.

وَالشَّافِعِيُّ إِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي " الْأُمِّ " فِي جَوَازِ تَضْمِينِ الْكَبِيرِ ثِمَارَهُ بِالْخَرْصِ دون الصغير فوهم عليه فهذا التأويل في إعداد الخرص.

[فصل]

: فأما صفة الخارص فَلَا بُدَّ مِنِ اعْتِبَارِ شُرُوطٍ فِيهِمْ:

أَحَدُهَا: الْبُلُوغُ.

وَالثَّانِي: الْعَدَالَةُ، لِأَنَّ الْفَاسِقَ غَيْرُ مَقْبُولِ الْقَوْلِ عَلَى غَيْرِهِ.

وَالثَّالِثُ: الْعِلْمُ بِالْخَرْصِ، لِأَنَّ الْجَاهِلَ بِهِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فِيهِ.

وَالرَّابِعُ: مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَهُوَ الذُّكُورِيَّةُ وَالْحُرِّيَّةُ، فَإِنْ قُلْنَا إِنَّ الْخَارِصَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا كالحاكم لم يجز أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً وَلَا عَبْدًا وَاعْتَبَرَ فِيهِ كونه رَجُلًا حُرًّا، وَإِنْ قُلْنَا لَا يَجُوزُ إِلَّا خَارِصَانِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَا امْرَأَتَيْنِ وَلَا عبدين، لأن في الخرص ولاية حكم، فَلَمْ يَجُزْ تَفَرُّدُ الْعَبِيدِ وَالنِّسَاءِ بِهَا، وَلَكِنْ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا امْرَأَةً أَوْ عَبْدًا لِيَكُونَ الرَّجُلُ مُخْتَصًّا بِالْوِلَايَةِ وَالْمَرْأَةُ أَوِ العبد مشاركاً له في التقدير والحرز؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يكون كيالاً ووزاناً.

والثاني: لا يجوز لأن في الخراص اجتهاد يفارق يقين الكيل والوزن فشابه الحكم.

[مسألة:]

قال الشافعي: " وَلَا تُؤْخَذُ صَدَقَةُ شيءٍ مِنَ الشَّجَرِ غَيْرِ العنب والنخل فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَخَذَ الصَّدَقَةَ مِنْهُمَا وَكِلَاهُمَا قُوتٌ وَلَا شَيْءَ فِي الزَيْتُونِ لِأَنَّهُ يُؤْكَلُ أُدْمًا وَلَا فِي الجوز ولا في اللوز وغيره مما يكون أدماً وييبس ويدخر لأنه فاكهةٌ لأنه كان بالحجاز قوتاً علمناه ولآن الخبر في النخل والعنب خاص ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ مَا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ نَوْعَانِ زَرْعٌ وَشَجَرٌ، فَالزَّرْعُ يَأْتِي حُكْمُهُ، وَالشَّجَرُ يَنْقَسِمُ فِي الْحُكْمِ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ، قِسْمٌ لَا يَخْتَلِفُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرُهُ أَنَّ زَكَاتَهُ وَاجِبَةٌ، وَهُوَ النَّخْلُ وَالْكَرْمُ وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِيهِمَا، وَقِسْمٌ لَا يَخْتَلِفُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنْ لَا زَكَاةَ فِيهِ وَإِنْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ وَهُوَ الرُّمَّانُ، وَالسَّفَرْجَلُ، وَالتِّفَّاحُ، وَالْمِشْمِشُ، وَالْكُمَّثْري، وَالْجَوْزُ، وَالْخَوْخُ، وَاللَّوْزُ، وَمَا عَدَا مَا ذُكِرَ فِي الْقِسْمِ الْمَاضِي وَمَا يُذْكَرُ فِي الْقِسْمِ الْآتِي، وَقِسْمٌ اخْتَلَفَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي بَعْضِهِ وَعَلَّقَ الْقَوْلَ فِي بَعْضِهِ، وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَجْنَاسٍ الزَّيْتُونُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>