للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[باب الزرع في أوقات]

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " الذرة تزرع مرة فتخرج فتحصد ثُمَّ تُسْتَخْلَفُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ فَتُحْصَدُ أُخْرَى فَهُوَ زَرْعٌ واحدٌ وَإِنْ تَأَخَّرَتْ حَصَدَتُهُ الْأُخْرَى وهكذا بذر اليوم وبذر بعد شهرٍ لأنه وقتٌ واحدٌ للزرع وتلاحقه فيه متقاربٌ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى الْعَادَةَ فِي الذُّرَةِ أَنَّهَا تُسْتَخْلَفُ بَعْدَ حَصَادِهَا، وَلَمْ تَجْرِ بِذَلِكَ الْعَادَةُ فِيمَا سِوَاهَا، فَإِذَا اسخلفتا الذرة بعدما حصدت فهذا على ثلاث أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ الذُّرَةُ حِينَ اسْتُحْصِدَتْ تَسَاقَطَتْ مِنْ قَصَبَتِهَا فَنَبَتَتْ، فَهَذَا زَرْعٌ ثَانٍ يُعْتَبَرُ بِنَفْسِهِ، وَلَا يُضَمُّ إِلَى الْأَوَّلِ، لِأَنَّ بَذْرَهُ بَعْدَ حَصَادِهِ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَجْتَمِعَا فِي بذر ولا حصاد، فإذا بَلَغَ النِّصَابَ فَفِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ نَقَصَ عَنِ النِّصَابِ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الذُّرَةُ قَدْ حُصِدَتْ فَيُسْتَخْلَفُ قَصَبُهَا وَتَحْمِلُ حَبًّا ثَانِيًا فَفِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا:

أَحَدُهُمَا: لَا يُضَمُّ إِلَى الْأَوَّلِ وَيُعْتَبَرُ حُكْمُهُ بِذَاتِهِ كَالنَّخْلِ إِذَا حَمَلَ فِي السَّنَةِ حِمْلَيْنِ لَمْ يُضَمَّ أَحَدُهُمَا إِلَى الْآخَرِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُضَمُّ إِلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّهُمَا زَرْعٌ وَاحِدٌ عَنْ بَذْرٍ وَاحِدٍ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّخْلِ إِذَا حَمَلَ حِمْلَيْنِ، هُوَ: أَنَّ النَّخْلَ ثَابِتُ الْأَصْلِ غُرِسَ لِبَقَائِهِ وَتَوَالِي ثَمَرِهِ، وَكُلُّ حِمْلٍ مِنْهُ مُنْفَرِدٌ عَنْ غَيْرِهِ، فَإِذَا حَمَلَ فِي السَّنَةِ حِمْلَيْنِ كَانَ كَمَا لَوْ حَمَلَ فِي عَامَيْنِ، فَلَمْ يُضَمَّ أَحَدُهُمَا إِلَى الْآخَرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الزَّرْعُ، لِأَنَّهُ غَيْرُ ثَابِتِ الْأَصْلِ وَلَا مَزْرُوعٌ لِلْبَقَاءِ وَتَوَالِي النَّمَاءِ، وَإِنَّمَا زُرِعَ لِأَخْذِهِ بَعْدَ تَكَامُلِهِ فَخَالَفَ النَّخْلَ وَوَجَبَ ضَمُّ بَعْضِهِ إِلَى بَعْضٍ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ الذُّرَةُ حِينَ بُذِرَتْ تُعُجِّلَ نَبَاتُ بَعْضِهَا وَاسْتُحْصِدَ وَتَأَخَّرَ حَصَادُ الْبَعْضِ الْآخَرِ فَذَلِكَ ضَرْبَانِ.

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا قَرِيبًا وَفَصْلُ حَصَادِهِمَا وَاحِدًا، كَأَنَّهُ نَبَتَ دُفْعَةً وَاحِدَةً ثُمَّ زَحَمَ بَعْضُهُ بَعْضًا فَتُعُجِّلَ حَصَادُ مَا قَوِيَ وَتَأَخَّرَ حَصَادُ مَا ضَعُفَ، فَهَذَا زَرْعٌ وَاحِدٌ يُضَمُّ مَا

<<  <  ج: ص:  >  >>