للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التُّرَابَ غَيْرُ مَقْصُودٍ، فَهَذَا الْكَلَامُ فِي الْغِشِّ إذا كان مقصوداً، فأما إن كَانَ غَيْرَ مَقْصُودٍ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ الْفِضَّةُ وَالْغِشُّ مُمْتَزِجَيْنِ فَلَا تَجُوزُ الْمُعَامَلَةُ بِهَا، لَا مُعَيَّنَةً وَلَا فِي الذِّمَّةِ، لِأَنَّ مَقْصُودَهُمَا مَجْهُولٌ بِمُمَازَجَةِ مَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ كَتُرَابِ الْمَعَادِنِ.

وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الْفِضَّةُ وَالْغِشُّ غَيْرَ مُمْتَزِجَيْنِ وَإِنَّمَا الْفِضَّةُ عَلَى ظَاهِرِهَا وَالْغِشُّ فِي بَاطِنِهَا كَالزَّرْنِيخِيَّةِ فَتَجُوزُ الْمُعَامَلَةُ بِهَا إِذَا كَانَتْ حَاضِرَةً مُعَيَّنَةً، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا مُشَاهَدٌ، وَلَا تَجُوزُ الْمُعَامَلَةُ بِهَا فِي الذِّمَّةِ لِلْجَهْلِ بِمَقْصُودِهَا، فَهَذَا حُكْمُ الْوَرِقِ الْمَغْشُوشَةِ فِي الْمُعَامَلَةِ، لَكِنْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَلَا بَيْعُهَا بِالْفِضَّةِ، لِأَجْلِ الرِّبَا، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ بَاعَ سُقَاطَةَ بَيْتِ الْمَالِ مِنَ الْمَغْشُوشِ وَالزَّائِفِ بِوَزْنِهِ مِنَ الْوَرِقِ الْجَيِّدِ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَرَدَّ الْبَيْعَ، فَلَوْ أَتْلَفَهَا رَجُلٌ عَلَى غَيْرِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ مِثْلُهَا، لِأَنَّهُ لَا مِثْلَ لَهَا وَلَزِمَهُ رَدُّ قِيمَتِهَا ذَهَبًا وَالْحُكْمُ فِي الدَّنَانِيرِ الْمَغْشُوشَةِ كَالْحُكْمِ فِي الورق المغشوشة.

وَقَالَ أبو حنيفة: إِنْ كَانَ غِشُّهَا مِثْلَ نِصْفِهَا أَوْ أَكْثَرَ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا حَتَّى تباع قدر حصتها نصاباً.

فَصْلٌ

: فَأَمَّا وُجُوبُ زَكَاتِهَا فَلَا شَيْءَ فِيهَا حتى يبلغ قدر فضتها نِصَابًا وَإِنْ كَانَ غِشُّهَا أَقَلَّ مِنْ نِصْفِهَا فَفِيهَا الزَّكَاةُ، وَإِذَا بَلَغَتْ نِصَابًا بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ الْغِشَّ إِذَا نَقَصَ عَنِ النِّصْفِ سَقَطَ حُكْمُهُ، حَتَّى لَوِ اقْتَرَضَ رَجُلٌ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِضَّةً لَا غِشَّ فِيهَا فَرَدَّ عَشَرَةً فِيهَا أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ غِشٍّ لَزِمَ الْمُقْرِضَ قَبُولُهَا، وَفَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ ظَاهِرٌ، وَالِاحْتِجَاجُ عَلَيْهِ تكلف، وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أواقٍ مِنَ الْوَرِقِ صدقةٌ " يَمْنَعُ مِنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ خَمْسُ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنْ لَا زَكَاةَ فِيهَا حَتَّى يَبْلُغَ قَدْرُ فضتها نصاباً فإذا عَلِمَ قَدْرَ الْفِضَّةِ يَقِينًا أَوِ احْتِيَاطًا وَأَخْرَجَ زَكَاتُهُ جَازَ، وَإِنَّ شَكَّ وَلَمْ يَحْتَطْ مَيَّزَهَا بِالنَّارِ فَإِنْ أَخْرَجَ زَكَاتَهَا فِضَّةً خَالِصَةً جَازَ، وَإِنْ أَخْرَجَ زَكَاتَهَا مِنْهَا أَجْزَأَهُ، إِذَا عَلِمَ أَنَّ فِيمَا أَخْرَجَهُ مِنَ الْفِضَّةِ مِثْلَ مَا مَعَهُ أَوْ أَكْثَرَ وَسَوَاءٌ تَعَامَلَ النَّاسُ بِهَا أم لا، لأنها من جملة ماله.

[مسألة:]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ كَانَتْ لَهُ فِضَّةٌ خَلَطَهَا بِذَهَبٍ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُدْخِلَهَا النَّارَ حَتَى يَمِيزَ بَيْنَهُمَا، فَيُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِنْ كُلِّ واحدْ مِنْهُمَا ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ إِذَا كَانَتْ لَهُ فِضَّةٌ قَدْ خَالَطَهَا ذَهَبٌ وَأَرَادَ إِخْرَاجَ زَكَاتِهَا فَلَهُ حَالَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَتَوَلَّى إِخْرَاجَهَا بِنَفْسِهِ فَإِنْ عَلِمَ قَدْرَ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ يَقِينًا وَكَانَ كل واحد

<<  <  ج: ص:  >  >>