للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَرَوَى سُلَيْمَانُ بْنُ سَمُرَةَ عَنْ أَبِيهِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِنَ الَّذِي يُعَدُّ لِلْبَيْعِ ".

وَرَوَى ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فِي فَرَسِهِ صَدَقَةٌ إِلَّا زَكَاةُ التِّجَارَةِ ".

وَرَوَى الْحَكَمُ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ) {البقرة: ٢٦٧) قَالَ: زَكَاةُ التِّجَارَةِ، وَلِأَنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ إِنَّمَا خُصَّا من بين سائر الجواهر بإيجاب الزكاة فيها لِإِرْصَادِهِمَا لِلنَّمَاءِ، وَطَرِيقُ النَّمَاءِ بِالتَّقَلُّبِ وَالتِّجَارَةِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الْمَوْضُوعُ لِإِيجَابِ الزَّكَاةِ سَبَبًا لِإِسْقَاطِهَا، وَأَمَّا الدَّلَالَةُ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لا يجب إخراج زكاتها إلا إذا نَضَّ ثَمَنُهَا، فَحَدِيثُ حِمَاسٍ قَالَ: " مَرَرْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَلَى عنقي أدمة أحملها فقال: ألا تؤدي زكاتها يَا حِمَاسُ فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا لِي غَيْرُ هَذِهِ وَأَهُبُّ فِي الْقُرْظِ فَقَالَ: ذاك مال فوضع فَوَضَعْتُهَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَحَسَبَهَا، فَوَجَدَهَا قَدْ وَجَبَتْ فيها الزكاة، فأخذ منها الزكاة "، فَكَانَ فِي هَذَا الْخَبَرِ دَلِيلَانِ:

أَحَدُهُمَا: عَلَى وُجُوبِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ.

وَالثَّانِي: عَلَى وُجُوبِ إِخْرَاجِهَا قَبْلَ أَنْ يَنِضَّ ثَمَنُهَا.

وَالدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ زَكَاتَهَا فِي كُلِّ عَامٍ، هُوَ أَنَّهُ مَالٌ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْحَوْلُ فَوَجَبَ، أَنْ يُزَكَّى في كل حول كالفضة والذهب هذه دَلَالَةٌ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ، وَلَوْلَا أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الدِّيَانَاتِ لَاقْتَصَرْتُ عَلَى بَعْضِ هَذِهِ الدَّلَائِلِ، وَلَكِنْ لَيْسَ إِذَا قَلَّ أَنْصَارُ الْمُخَالِفِ وَضَعُفَ حِزْبُهُ مَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُوَفَّى الْعِلْمُ حَقَّهُ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ: " ابْتَغُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى لَا تَأْكُلُهَا الصَّدَقَةُ " فَهُوَ إِنَّمَا أَمْرٌ بِالتِّجَارَةِ لِيَكُونَ مَا يَعُودُ مِنْ رِبْحِهَا خَلَفًا عَمَّا خَرَجَ مِنْ زَكَاتِهَا، وَلَمْ يَأْمُرْ بِهَا لِإِسْقَاطِ زَكَاتِهَا، إِذْ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَأْمُرَ بِمَا يُسْقِطُ لِلَّهِ تَعَالَى حَقًّا أَوْ يُبْطِلُ لَهُ سُبْحَانَهُ وَاجِبًا.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: " عَفَوْتُ لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ والرقيق " فلسنا نوجب الصدقة فيها وَإِنَّمَا نُوجِبُهَا فِي قِيمَتِهَا عَلَى أَنَّ عِرَاكَ بْنَ مَالِكٍ قَدِ اسْتَثْنَى فِي حَدِيثِهِ زَكَاةَ التِّجَارَةِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَا لَمْ يَكُنْ لِلتِّجَارَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>