للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تُؤْخَذُ مِنْهُمُ الصَّدَقَةُ عَنْ أَمْوَالِهِمُ الْغَائِبَةِ، وَتُدْفَعُ إِلَيْهِمُ الصَّدَقَةُ فِي أَسْفَارِهِمْ لِلْحَاجَةِ الْمَاسَّةِ وَأَمَّا حَدِيثُ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَلَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى إِسْقَاطِ الزَّكَاةِ بِالدَّيْنِ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى تَقْدِيمِ الدَّيْنِ عَلَى الزَّكَاةِ وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْحَجِّ، فَغَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالزَّكَاةَ مُمْتَنِعٌ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَى الصَّبِيِّ والمجنون، وإن لم يجب الحج عليها، وَوُجُوبُ الْحَجِّ عَلَى الْفَقِيرِ، إِذَا كَانَ مُقِيمًا بِمَكَّةَ، وَإِنْ لَمْ تَجِبِ الزَّكَاةُ عَلَيْهِ فَثَبَتَ أَنَّ اعْتِبَارَ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ فِي الْوُجُوبِ غَيْرُ صَحِيحٍ.

وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْمِيرَاثِ، فَلَيْسَ الدَّيْنُ مَانِعًا مِنَ الْمِيرَاثِ، لِأَنَّ الْمِيرَاثَ حَاصِلٌ وَقَضَاءَ الدَّيْنِ وَاجِبٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَارِثَ لَوْ قَضَى الدَّيْنَ مِنْ مَالِهِ لَاسْتَحَقَّ مِيرَاثَ مَيِّتِهِ عَلَى أَنَّهُ بَاطِلٌ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ.

وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْمُكَاتَبِ، فَلَيْسَ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ إِزَالَةَ يَدِهِ عَنْ مَالِهِ وَإِنَّمَا الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ غَيْرُ تَامِّ الْمِلْكِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَوْ كَانَ مَعَهُ قَدْرُ دَيْنِهِ فَأَكْثَرَ، لَمْ يَسْتَحِقَّ إِزَالَةَ يَدِهِ عَنْهُ ثُمَّ مَعَ هَذَا لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّ هَذَا يُؤَدِّي إِلَى إِيجَابِ زَكَاتَيْنِ فِي مَالٍ فَدَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ بَلْ هُمَا مَالَانِ لِرَجُلَيْنِ فَزَكَاةُ هَذَا الْمَالِ فِي عَيْنِهِ، وَزَكَاةُ الدين على مالكه والعين غير الدين.

فَصْلٌ

: فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَانِ الْقَوْلَانِ وَثَبَتَ أَنَّ أَصَحَّهُمَا وُجُوبُ الزَّكَاةِ وَأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ مِنْهَا، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ مِنْ جِنْسِ الْمَالِ، أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ مَعَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مِنْ دَنَانِيرَ أَوْ بُرٍّ أَوْ شَعِيرٍ قَدْرُ قِيمَتِهِ مِائَتَا دِرْهَمٍ، فَهُوَ كَمَا لَوْ كَانَ مَعَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ، فَتَكُونُ الزَّكَاةُ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَكَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الزَّكَاةِ وَالْعُشْرِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا لِأَنَّ الْعُشْرَ عِنْدَنَا زَكَاةٌ وَإِنَّمَا فَرَّقَ أبو حنيفة وَمَالِكٌ بَيْنَهُمَا، فَلَوْ أَخْرَجَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ مِنْ ثَمَرَةٍ أَوْ زَرْعٍ وَكَانَ عَلَيْهِ مِثْلُهَا دَيْنًا، أَوْ مِثْلُ قِيمَتِهَا دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ كَانَتِ الزَّكَاةُ عَلَى قَوْلَيْنِ، فَلَوْ كَانَ مَعَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ نَقْدًا وَعَلَيْهِ مِائَتَا دِرْهَمٍ دَيْنًا فَزَكَاتُهَا عَلَى قَوْلَيْنِ أَيْضًا، إِنْ ثَبَتَ أَنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ الدَّيْنِ أَقَلُّ مِنْ نِصَابٍ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْنَعُ فَعَلَيْهِ زَكَاةُ مِائَتَيْنِ فَلَوْ كَانَ مَعَهُ أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ نَقْدًا وَعَلَيْهِ مِائَتَا درهم ديناً فعلى هذين القولين أحدها: تَجِبُ زَكَاةُ الْمِائَتَيْنِ لَا غَيْرَ.

وَالثَّانِي: زَكَاةُ الْأَرْبَعِمِائَةِ إِذَا قُلْنَا الدَّيْنُ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ.

فَصْلٌ

: فَلَوْ كَانَ مَعَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ نقداً، فقال قبل الحول إن شفا الله مريضي فالله عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَشَفَى اللَّهُ مَرِيضَهُ قَبْلَ الْحَوْلِ، فَإِنْ قُلْنَا: إِنَّ دَيْنَ الْآدَمِيِّ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فَهَذَا أَوْلَى وَالزَّكَاةُ عَلَيْهِ وَاجِبَةٌ، وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّ دَيْنَ الْآدَمِيِّ يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>