للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - (فِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ وَعَرَفَتُكُمْ يَوْمَ تَعْرِفُونَ وَأَضْحَاكُمْ يَوْمَ تُضَحُّونَ) وَلِأَنَّ تَعَلُّقَ زَكَاةِ الْفِطْرِ بِعِيدِ الْفِطْرِ كَتَعَلُّقِ الْأُضْحِيَّةِ بِعِيدِ الْأَضْحَى فَلَمَّا كَانَتِ الأضحية متعلقة بنهار النحر دون ليله أَنْ تَكُونَ الْفِطْرَةُ مُتَعَلِّقَةً بِنَهَارِ الْفِطْرِ دُونَ لَيْلَةٍ وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ قِيَاسًا: أَنَّهُ حَقٌّ فِي مَالٍ يَخْرُجُ فِي يَوْمِ عِيدٍ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ تَعَلُّقُهُ بِالْيَوْمِ كَالْأُضْحِيَّةِ، وَلِأَنَّ لَيْلَةَ الْفِطْرِ مِثْلُ مَا قَبْلَهَا فِيمَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ فِيهَا فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تَتَعَلَّقَ زَكَاةُ الْفِطْرِ بِهَا كَمَا لَمْ تَتَعَلَّقْ بِمَا قَبْلَهَا.

وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ قياساً: أنه خصلة عن يوم من رمضان فوجب أن لا يتعلق به زكاة الفطرة كاليوم الأول والدلالة على صحة قوله في الْجَدِيدِ فِي تَعَلُّقِهَا بِغُرُوبِ الشَّمْسِ دُونَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ طَهُورًا لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، وَفِيهِ دَلِيلَانِ:

أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ: فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ، فَأَخْبَرَ أَنَّهَا مَفْرُوضَةٌ بِالْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَأَوَّلُ فِطْرٍ يَقَعُ مِنْ جَمِيعِ رَمَضَانَ مَغِيبُ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ نَهَارِهِ، فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ الْوُجُوبُ مُتَعَلِّقًا بِهِ.

وَالثَّانِي: قَوْلُهُ: طَهُورًا لِلصَّائِمِ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ شَيْئًا مِنْ زَمَانِ الصَّوْمِ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى الطُّهْرَةِ مِنَ الصَّوْمِ، وَقَدْ تحرر هَذِهِ الدَّلَالَةُ قِيَاسًا فَيُقَالُ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ شَيْئًا مِنْ رَمَضَانَ، فَوَجَبَ أَنْ لَا تَلْزَمُهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ قِيَاسًا عَلَى مَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَلِأَنَّ طُلُوعَ الْفَجْرِ فِي حُكْمِ مَا تَقَدَّمَ فِي أَنَّ الْخُرُوجَ مِنَ الصَّوْمِ قَدْ تَقَدَّمَهُ، فَلَمْ يُجْزِ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ كَمَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِمَا بَعْدَهُ.

وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ قِيَاسًا أَنَّهُ وَقْتٌ لَمْ يَتَعَقَّبْ زَمَانَ الصَّوْمِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ، قِيَاسًا عَلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ، وَلِأَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ إِمَّا أَنْ تَجِبَ بِخُرُوجِ رَمَضَانَ، أَوْ بِدُخُولِ شَوَّالٍ، وَغُرُوبِ الشَّمْسِ بجميع الْأَمْرَيْنِ فَكَانَ تَعَلُّقُ الزَّكَاةِ بِهِ أَوْلَى.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَغْنُوهُمْ عَنِ الطَّلَبِ فِي هَذَا الْيَوْمِ " فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ إِغْنَاءَهُمْ بِدَفْعِهَا لَهُمْ لَا بِوُجُوبِهَا لَهُمْ، وَهِيَ تُدْفَعُ إِلَيْهِمْ فِي الْيَوْمِ لَا فِي اللَّيْلِ، وَتَجِبُ لَهُمْ فِي اللَّيْلِ لا في اليوم.

والثاني: أن أمره بإعنائهم عن الطلب فيه لَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهَا، أَوْ دَفْعِهَا فِيهِ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ إِغْنَائِهِمْ عَنِ الطَّلَبِ، وَهُمْ يَسْتَغْنُونَ فِيهِ عَنِ الطَّلَبِ بِمَا يُدْفَعُ إليهم من الليل.

<<  <  ج: ص:  >  >>