للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما قولهم أَدُّوا زَكَاةَ فِطْرِكُمْ، وَالْفِطْرُ إِشَارَةٌ إِلَى نَهَارِ الْيَوْمَ دُونَ لَيْلِهِ، فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الْفِطْرَ إِشَارَةٌ إِلَى عَيْنِ زَمَانِ الصَّوْمِ مِنَ اللَّيْلِ جميعاً والنهار لغة وشرعاً.

أَمَّا اللُّغَةُ فَلِأَنَّ الْإِمْسَاكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِيهِ، وَأَمَّا الشَّرْعُ فَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار مِنْ هَاهُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ " وَأَمَّا الِاعْتِبَارُ فَهُوَ أَنَّ يَوْمَ الْفِطْرِ، وَلَيْلَتِهِ سَوَاءٌ فِي أَنَّ اسْمَ الْفِطْرِ مُنْطَلِقٌ عَلَيْهِمَا.

وَأَمَّا الْقِيَاسُ على الأضحية، فإن قصد الجمع بينهما في زمان الإخراج صح خروجه، وَإِنْ قَصَدَ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا فِي زَمَانِ الْوُجُوبِ فَالْأُضْحِيَّةُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ، وَأَمَّا قِيَاسُهُ لَيْلَةَ الْفِطْرِ عَلَى مَا قَبْلَهَا فَغَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ مَا قَبْلَهَا لَيْسَ بِفِطْرٍ عَنْ جَمِيعِ الصَّوْمِ، وَإِنَّمَا هُوَ فِطْرٌ عَنْ بَعْضِهِ، وَلَيْلَةُ الْفِطْرِ خُرُوجٌ مِنْ جَمِيعِهِ فَافْتَرَقَا.

فَصْلٌ

: فَإِذَا تَقَرَّرَ تَوْجِيهُ الْقَوْلَيْنِ فِي زَمَانِ وُجُوبِهَا، فَالتَّفْرِيعُ عَلَيْهِمَا مَبْنِيٌّ، فَإِنْ وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ أَوْ عَقَدَ عَلَى زَوْجَةٍ أَوْ مَلَكَ عَبْدًا عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَبَقَوْا عَلَى حَالِهِمْ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، فَعَلَيْهِ زَكَاةُ فِطْرِهِمْ عَلَى الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا، لِوُجُودِهِمْ فِي الطَّرَفَيْنِ، وَلَوْ وُلِدَ لَهُ الْمَوْلُودُ، وَعَقَدَ عَلَى الزَّوْجَةِ، وَمَلَكَ الْعَبْدَ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَمَاتُوا، أَوِ انْتَقَلُوا عَنْ حَالِهِمْ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، فَعَلَى قَوْلِهِ الْجَدِيدِ عَلَيْهِ زَكَاةُ فِطْرِهِمْ، اعْتِبَارًا بِطُلُوعِ الْفَجْرِ، فَلَوْ كَانُوا مَوْجُودِينَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، فَعَلَى قَوْلِهِ الْقَدِيمِ: عَلَيْهِ زَكَاةُ فِطْرِهِمْ، وَعَلَى قَوْلِهِ الْجَدِيدِ لَيْسَ عَلَيْهِ زَكَاةُ فِطْرِهِمْ فَلَوْ وُلِدَ الْمَوْلُودُ وَعَقَدَ عَلَى الزَّوْجَةِ، وَمَلَكَ الْعَبْدَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، ثم مات الولد، وطلق الزوجة، ومات الْعَبْدُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَمْ يَلْزَمْهُ زَكَاةُ فِطْرِهِمْ، عَلَى الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَلَا عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ.

[مسألة:]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنْ كَانَ عبدٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ فَعَلَى كل واحدٍ منهما بقدر ما يملك مِنْهُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ إِذَا كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ، أَوْ بَيْنَ مِائَةِ شَرِيكٍ فَهُوَ كَمَا لَوْ كَانَ لِمَالِكٍ وَاحِدٍ، فَتَكُونُ عَلَى جَمَاعَتِهِمْ زَكَاةُ الْفِطْرَةِ صَاعٌ وَاحِدٌ وَكَذَا لَوْ كَانَ مِائَةُ عَبْدٍ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ، لَزِمَهُمَا عَلَى كُلِّ رَأْسِ صَاعٍ وَقَالَ أبو حنيفة: إِذَا كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ أَوْ مِائَةُ عَبْدٍ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَلَا زَكَاةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحَالٍ، وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: إِذَا كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ، أَوْ بَيْنَ مِائَةِ شَرِيكٍ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاعٌ، فَأَمَّا أبو حنيفة فَاسْتَدَلَّ بِشَيْئَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَالَ مَا تَتَكَرَّرَ زَكَاتُهُ فِي كُلِّ حَوْلٍ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ فيه نصاب يدخل العفر فيما

<<  <  ج: ص:  >  >>