للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ كَانَ يُخْرِجُ الْأَقِطَ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أو بعلمه بدلاً صَحَّ الْحَدِيثُ الْآخَرُ فِي إِسْنَادِهِ، فَهَلْ يَجُوزُ لِأَهْلِ الْبَادِيَةِ، إِخْرَاجُ الْأَقِطِ أَمْ لَا عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ، يَجُوزُ لَهُمْ إِخْرَاجُهُ لِأَنَّهُ قُوتٌ مُدَّخَرٌ يَسْتَنِدُ إِلَى أَثَرٍ فَجَازَ إِخْرَاجُهُ كَالتَّمْرِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ لَا يَجُوزُ لَهُمْ إِخْرَاجُهُ، وَإِنْ كَانَ قُوتًا لَهُمْ مُدَّخَرًا فَهُوَ مِمَّا لَا زَكَاةَ فِيهِ، فَلَمْ يَجُزْ لَهُمْ إِخْرَاجُهُ كما لا يجوز لهم إخراج القثاء وَحَبِّ الْحَنْظَلِ وَإِنْ كَانَ قُوتًا لَهُمْ مُدَّخَرًا، لِأَنَّهُ مِمَّا لَا زَكَاةَ فِيهِ فَعَلَى هَذَا عليهم إخراجها من غالب قوت البلاد.

فَصْلٌ

: فَإِنْ كَانَ أَهْلُ الْبَادِيَةِ يَقْتَاتُونَ اللَّبَنَ، فَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهُمْ لَوِ اقْتَاتُوا الْأَقِطَ لَمْ يجز لهم إخراجه لم يَجُزْ لَهُمْ إِخْرَاجُ اللَّبَنِ أَيْضًا، وَإِنْ قُلْنَا يَجُوزُ فَفِي جَوَازِ إِخْرَاجِ اللَّبَنِ إِذَا كَانَ قُوتًا لَهُمْ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ كَالْأَقِطِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَقَدْ حَكَاهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لا يجوز وهو الأصح.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَقِطِ ثُبُوتُ الْأَثَرِ فِي الْأَقِطِ وَعَدَمُهُ فِي اللَّبَنِ، وَلِأَنَّ الْأَقِطَ فِي حَالِ ادِّخَارِهِ فَجَازَ كَالتَّمْرِ وَاللَّبَنُ بِخِلَافِهِ فَلَمْ يَجُزْ كَالرُّطَبِ، فَأَمَّا الْمَصْلُ وَالْكَشْكُ فَلَا يَجُوزُ لهم إخراجه لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ اقْتِيَاتُهُ مُفْرَدًا، فَأَمَّا أَهْلُ جَزَائِرِ الْبَحْرِ الَّذِينَ يَقْتَاتُونَ السُّمُوكَ، وَأَهْلُ الْفَلَوَاتِ النَّائِيَةِ الَّذِينَ يَقْتَاتُونَ الْبَيْضَ، وَلُحُومَ الصَّيْدِ، فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ إِخْرَاجُهُ فِي زَكَاةِ فِطْرِهِمْ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْمَذْهَبُ، لِأَنَّ حَالَهُمْ نَادِرَةٌ، وَقُوتَهُمْ غَيْرُ رَاجِعٍ إِلَى أَثَرٍ فَأَمَّا أَهْلُ الْحَضَرِ فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ إِخْرَاجُ الْأَقِطِ، وَإِنْ كَانَ لَهُمْ قُوتًا لِأَنَّ ذَلِكَ نَادِرٌ فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ كُنَّا نُخْرِجُ الْأَقِطَ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْحَضَرِ قُلْنَا: قَدْ كَانَ أَبُو سَعِيدٍ يَسْكُنُ الْبَادِيَةَ كَثِيرًا أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " إذا كنت في باديتك فارقع صَوْتَكَ بِالْأَذَانِ " عَلَى أَنَّهُ قَالَ كُنَّا نُخْرِجُ كِنَايَةً عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ مِمَّنْ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَقَدْ كَانَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ أَهْلَ بَادِيَةٍ.

مَسْأَلَةٌ:

قال الشافعي رضي الله عنه: " ولا يجوز أن يخرج الرجل نصف صاعٍ حنطةٍ ونصف صاعٍ شعير إِلَّا مِنْ صنفٍ واحدٍ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ.

لَا يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ الرَّجُلُ صَاعًا وَاحِدًا عَنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ مِنْ أَنْوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ فَيُخْرِجُ بَعْضَهُ بُرًّا، وَبَعْضَهُ شَعِيرًا، وَبَعْضَهُ تَمْرًا وَبَعْضَهُ زَبِيبًا لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " صَاعًا مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>