للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَحُكِيَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَعَطَاءٌ إِنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ تَعَلُّقًا بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ " وَبِمَا رَوَى عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ أُتِيَ بِسَوِيقٍ، وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ، وَعِنْدَهُ أَنَّ اللَّيْلَ قَدْ وَجَبَ وَأَكَلَ النَّاسُ مَعَهُ ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا نَقْضِي مَا جَانَفْنَا إِثْمًا. وَالدَّلَالَةُ عَلَى وُجُوبِ الْإِعَادَةِ مَا رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ قَالَتْ: جَاءَ قومٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالُوا: إِنَّا ظَنَنَّا أَنَّ اللَّيْلَ قَدْ دَخَلَ فَأَكَلْنَا ثُمَّ عَلِمْنَا أَنَّهُ كَانَ نَهَارًا فَأَمَرَهُمُ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِإِعَادَةِ يومٍ مَكَانَهُ. وَرُوِيَ أَنَّ النَّاسَ أَفْطَرُوا عَلَى عَهْدِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثُمَّ بَانَ لَهُمْ ظُهُورُ الشَّمْسِ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْخَطْبُ يَسِيرٌ نَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ وَهَذَا صَحِيحٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ: يَعْنِي: إِنَّ فِيهِ قَضَاءَ يَوْمٍ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَشُقُّ، وَلِأَنَّ الِاشْتِبَاهَ لَا يُسْقِطُ حُكْمَ الْوَقْتِ كَمَا إِذَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ زَوَالُ الشَّمْسِ فَصَلَّى، ثُمَّ بَانَ لَهُ الْخَطَأُ لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ فَكَذَلِكَ فِي الصِّيَامِ.

وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ أَكَلَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَدُخُولِ اللَّيْلِ، فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فَإِنْ قِيلَ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَنْ صَلَّى شَاكًّا فِي دُخُولِ الْوَقْتِ، ثُمَّ بَانَ لَهُ أَنَّهُ كَانَ قَدْ دَخَلَ فِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ عَلَى الْمُصَلِّي، وَسُقُوطِهَا عَنِ الصَّائِمِ قُلْنَا: إِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا هُوَ أَنَّ الصَّائِمَ يَكُونُ مُفْطِرًا بِدُخُولِ اللَّيْلِ، وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ وَلَا يَكُونُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ مُصَلِّيًا حَتَّى يَفْعَلَ الصَّلَاةَ.

وَالْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَبْقَى عَلَى جُمْلَةِ الِاشْتِبَاهِ، وَلَا يَتَبَيَّنَ لَهُ الْيَقِينُ فَهَذَا يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النَّهَارِ، فَلَا يَنْتَقِلُ عَنْ حُكْمِهِ إِلَّا بِيَقِينِ خُرُوجِهِ.

فَصْلٌ

: فَأَمَّا إِذَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ طُلُوعُ الْفَجْرِ فَأَكَلَ فَإِنْ كَانَ عَلَى شَكٍّ، وَاشْتِبَاهٍ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ أَيْضًا:

أَحَدُهَا: أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ فِيمَا بَعْدُ أَنَّ الْفَجْرَ كَانَ طَالِعًا حِينَ أَكَلَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّ الِاشْتِبَاهَ لَا يُسْقِطُ حُكْمَ الْوَقْتِ مَعَ إِمْكَانِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ، وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَنِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ وَقْتُ الْغُرُوبِ، لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى أَصْلِ الإباحة في الأكل.

والحالة الثَّانِيَةُ: أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ بَقَاءُ اللَّيْلِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي أَكَلَ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، لِمُصَادَفَتِهِ زَمَانَ الْإِبَاحَةِ.

وَالْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَبْقَى عَلَى حَالِ الِاشْتِبَاهِ فَلَا يَبِينُ لَهُ بَقَاءُ اللَّيْلِ، وَلَا طُلُوعُ الْفَجْرِ فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ اللَّيْلِ، وَإِبَاحَةُ الْأَكْلِ مَا لَمْ يتيقن طلوع الفجر.

<<  <  ج: ص:  >  >>