للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والكفارة أصله إذا ابتدأ لوطأ فِي خِلَالِ النَّهَارِ وَلِأَنَّ كُلَّ مَعْنًى إِذَا طَرَأَ عَلَى الصَّوْمِ أَفْسَدَهُ، فَإِذَا قَارَنَ أَوَّلَهُ مَنَعَ انْعِقَادَهُ، فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَ الْحُكْمُ فِيمَا يُفْسِدُهُ، وَفِيمَا يَمْنَعُ انْعِقَادَهُ كَالْأَكْلِ يَسْتَوِي الْحُكْمُ فِيهِ، إِذَا قَارَبَ طُلُوعَ الْفَجْرِ، وَإِذَا طَرَأَ عَلَيْهِ فِي خِلَالِ النَّهَارِ، وَلِأَنَّهُ حُكْمٌ يَتَعَلَّقُ بِالْجِمَاعِ إِذَا فَسَدَ الصَّوْمُ فَوَجَبَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ إِذَا مَنَعَ انْعِقَادَهُ أَصْلُهُ الْقَضَاءُ، فَأَمَّا مَا اسْتَدَلُّوا بِهِ مِنْ تَارِكِ النِّيَّةِ، فَلَا دَلِيلَ فِيهِ لَهُمْ لِاسْتِوَاءِ حُكْمِهِ، إِذَا قَارَنَ الصَّوْمَ وَإِذَا طَرَأَ عَلَيْهِ فَنَوَى الْإِفْطَارَ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْوَطْءُ أَيْضًا يَسْتَوِي حُكْمُهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ.

فَصْلٌ

: فَأَمَّا إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ عَلَيْهِ وَهُوَ مُجَامِعٌ فَلَمْ يَعْلَمْ بِطُلُوعِهِ حَتَّى خَرَجَ مِنْ جِمَاعِهِ، ثُمَّ عَلِمَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَلَا كَفَّارَةَ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ هَتْكَ حُرْمَةِ الصَّوْمِ، وَلَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُجَامِعٌ فَظَنَّ أَنَّ صَوْمَهُ قَدْ بَطَلَ لَوْ أَقْلَعَ، فَمَكَثَ مُمْسِكًا عَنْ إِخْرَاجِهِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا كَفَّارَةَ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَاصِدٍ لِهَتْكِ الْحُرْمَةِ، وَاللَّهُ أعلم.

[مسألة:]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنْ كَانَ بَيْنَ أَسْنَانِهِ مَا يَجْرِي بِهِ الرِّيقُ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، إِذَا كَانَ بَيْنَ أَسْنَانِهِ مِنْ بَقَايَا أَكْلِهِ مَا يَجْرِي بِهِ الرِّيقُ لَا يُمْكِنُهُ ازدراده خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، أَنَّهُ عَلَى صَوْمِهِ لَا يُفْطِرُ لِمَا يَلْحَقُ مِنَ الْمَشَقَّةِ فِي التَّحَرُّزِ مِنْ مِثْلِهِ، فَصَارَ فِي مَعْنَى الدُّخَانِ وَالْغُبَارِ وَالرَّوَايِحِ الْعَطِرَةِ الَّتِي عُفِيَ عَنْهَا لِإِدْرَاكِ الْمَشَقَّةِ في التحرز منها قائماً إِنْ كَانَ بَيْنَ أَسْنَانِهِ مَا يُمْكِنُهُ ازْدِرَادُهُ فَإِنِ ازْدَرَدَهُ، أَفْطَرَ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا، بَلْ كَانَ كَالسِّمْسِمَةِ أَفْطَرَ بِهِ وَقَالَ أبو حنيفة لَا يُفْطِرُ بِهَذَا الْقَدْرِ، لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَأْكُولِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي قَدْرِ مَا يُفْطِرُ بِهِ، وَلَا فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَ قَلِيلِ ذَلِكَ وَكَثِيرِهِ فِي أَنَّ الْفِطْرَ وَاقِعٌ بِهِ لِحُصُولِ الِازْدِرَادِ وَعَدَمِ التَّخْصِيصِ، فَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ نَهَى عَنْ أَكْلِ الْمَغِصَا وَأَمَرَ بِأَكْلِ الْقَضْمِ وَالْمَغِصَا مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْنِ الْأَسْنَانِ إِلَّا بِالْخِلَالِ، وَالْقَضْمُ مَا خَرَجَ بِاللِّسَانِ بلذة أكل لم يخرج بالخلال لأنه في حكم المأكول كالقيء وأمر بأكله فَكَانَ إِخْرَاجُ مَا خَرَجَ بِاللِّسَانِ كَالْبَاقِي فِي الْفَمِ، وَأُطْلِقَ اسْمُ الْأَكْلِ عَلَيْهِمَا فَدَلَّ عَلَى اسْتِوَائِهِمَا فِي الْفِطْرِ.

فَصْلٌ

: فَأَمَّا بَلْعُ الرِّيقِ، وَازْدِرَادُهُ فَعَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَبْلَعَ ما يتخلف في فمه حالاً فحالا، فهذا جايز لَا يَفْسُدُ بِهِ الصَّوْمُ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الاحتراز منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>