للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُصْبِحَ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ عَلَى شَكٍّ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ عَلَى الْهِلَالِ، فَعَلَيْهِ وَعَلَى النَّاسِ أَنْ يُمْسِكُوا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمْ، وَلَا يُفْطِرُوا سَوَاءً أَكَلُوا فِي أَوَّلِهِ أَوْ لَمْ يَأْكُلُوا لِأَنَّهُ لَمَّا بَانَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ لَزِمَ الْتِزَامُ حُرْمَتِهِ، وَإِمْسَاكُ بَقِيَّتِهِ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي هَذَا الْإِمْسَاكِ هَلْ يُسَمَّى صَوْمًا شَرْعًا أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ: إِنَّهُ يُسَمَّى صَوْمًا شَرْعِيًّا بِوُجُوبِ الْإِمْسَاكِ فِيهِ.

وَالثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا: إِنَّهُ إِمْسَاكٌ وَاجِبٌ، فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ صَوْمًا شَرْعِيًّا فَلَا لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ الِاعْتِدَادُ بِهِ لَا عَنْ رَمَضَانَ، وَلَا عَنْ غَيْرِهِ، فَإِذَا أَمْسَكُوا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَعَلَيْهِمْ، الْإِعَادَةُ بِكُلِّ حَالٍ طَعِمُوا بِهِ أَمْ لَا لِإِخْلَالِهِمْ بِالنِّيَّةِ عَنِ اللَّيْلِ، وَقَالَ أبو حنيفة: إِنْ بَانَ لَهُمْ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَلَمْ يَطْعَمُوا أَجْزَأَهُمْ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي جَوَازِ النِّيَّةِ نَهَارًا وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ مَعَهُ مُسْتَوْفًى فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ وَطِئَ فِي يَوْمِهِ هَذَا لَمْ يَلْزَمْهُ كَفَّارَةٌ، لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُفْطِرِ، وَإِنْ لَزِمَهُ الْإِمْسَاكُ، وَكَذَلِكَ لَوْ نَسِيَ النِّيَّةَ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى أَصْبَحَ ثُمَّ وَطِئَ فِي نَهَارِهِ لَزِمَهُ القضاء ولا كفارة.

مسألة: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ نَوَى أَنْ يَصُومَ غَدًا فَإِنْ كَانَ أَوَّلَ الشَّهْرِ فَهُوَ فَرْضٌ وَإِلَّا فَهُوَ تَطَوُّعٌ فَإِنْ بَانَ لَهُ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ لَمْ يجزئه لِأَنَّهُ لَمْ يَصُمْهُ عَلَى أَنَّهُ فرضٌ وَإِنَّمَا صَامَهُ عَلَى الشَّكِّ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ.

إِذَا أَمْسَى النَّاسُ لَيْلَةَ ثَلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ عَلَى شَكٍّ مِنْ دُخُولِ رَمَضَانَ فَنَوَى رَجُلٌ، وَقَالَ أَنَا غَدًا صَائِمٌ، فَإِنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ، فَهُوَ فَرْضٌ، وَإِنْ كَانَ مِنْ شَعْبَانَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ، فَبَانَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ لَمْ يُجْزِهِ وَلَزِمَتْهُ الْإِعَادَةُ لِأَنَّهُ عَلَى غَيْرِ يَقِينٍ مِنْ دُخُولِهِ، وَلَا مُسْتَنِدٌ إِلَى أَصْلٍ يَجْرِي الْحُكْمُ عَلَيْهِ إِذِ الْأَصْلُ بَقَاءُ شَعْبَانَ، وَهُوَ عَلَى شَكٍّ مِنْ دُخُولِ رَمَضَانَ وَبَيَانُ هَذَا فِي الزَّكَاةِ، أَنْ يُخْرِجَ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَيَقُولَ: إِنْ وَرِثْتُ مَالَ وَالِدِي، فَهَذِهِ زَكَاتُهُ، وَإِنْ كَانَ حَيًّا، وَلَمْ يَمُتْ فَهِيَ تَطَوُّعٌ فَبَانَ لَهُ مَوْتُ وَالِدِهِ، وَأَنَّهُ كَانَ مَالِكًا لِلْمَالِ عِنْدَ إِخْرَاجِهِ لَمْ يُجْزِهِ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ، وَهُوَ عَلَى شَكٍّ مِنْ تَمَلُّكِهِ، وَالْأَصْلُ حَيَاةُ وَالِدِهِ، وَلَوْ قَالَ: أَنَا غَدًا صَائِمٌ، فَإِنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ، فَهُوَ فَرْضٌ أَوْ نَافِلَةٌ، فبان أن مِنْ رَمَضَانَ لَمْ يُجْزِهِ، لِمَعْنَيَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: مَا ذكرنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>