للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالثَّانِي: الِاشْتِرَاكُ بَيْنَ الْفَرْضِ، وَالنَّافِلَةِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: أَنَا غَدًا صَائِمٌ إِنْ كَانَ مِنْ رمضان، فإن لَمْ يَكُنْ مِنْ رَمَضَانَ فَأَنَا مُفْطِرٌ فَبَانَ مِنْ رَمَضَانَ لَمْ يُجْزِهِ لِأَنَّهُ جَعَلَ نِيَّتَهُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ صَوْمِهِ وَفِطْرِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: أَنَا غَدًا صَائِمٌ إِنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ، فبان من رمضان لم يجزه، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ رَمَضَانَ فَأَنَا مُفْطِرٌ، فَبَانَ مِنْ رَمَضَانَ لَمْ يُجْزِهِ.

فَصْلٌ

: فَأَمَّا إِذَا أَمْسَى النَّاسُ لَيْلَةَ ثَلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى شَكٍّ مِنْ دُخُولِ شَوَّالٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا غَدًا صَائِمٌ إِنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ رَمَضَانَ، فَأَنَا مُفْطِرٌ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: أَنَا غَدًا صَائِمٌ، فَإِنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ، فَهُوَ فَرْضٌ وَإِنْ كَانَ مِنْ شَوَّالٍ، فَهُوَ تَطَوُّعٌ، فَبَانَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، لِأَنَّهُ إِنْ بَانَ مِنْ شَوَّالٍ فَهُوَ مُفْطِرٌ، وَإِنْ نَوَى الصَّوْمَ، وَإِنَّمَا أَجْزَأَهُ عَنْ فَرْضِهِ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَلَمْ يُجْزِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ حُكْمَ رَمَضَانَ ثَابِتٌ لَهُ، مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ زَوَالَهُ بِحُدُوثِ مَا سِوَاهُ فَصَارَ أَصْلًا يَسْتَنِدُ إِلَيْهِ، وَمِثَالُ هَذَا مِنَ الزَّكَاةِ أَنْ يُخْرِجَ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ فَيَقُولُ: هَذَا زَكَاةُ مَالِي الْغَائِبِ إِنْ كَانَ سَالِمًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَالِمًا فَنَافِلَةٌ فَبَانَ سَالِمًا أَجْزَأَهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مَالِهِ مَا لَمْ يُعْلَمْ تَلَفُهُ، فَلَوْ قَالَ: أَنَا غَدًا صَائِمٌ إِنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ مُفْطِرٌ، فَبَانَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ لَمْ يُجْزِهِ، لِأَنَّهُ جَعَلَ نِيَّتَهُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ صَوْمِهِ، وَفِطْرِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: أَنَا غَدًا صَائِمٌ فَإِنْ بَانَ مِنْ رَمَضَانَ، فَهُوَ فَرْضٌ أَوْ نَافِلَةٌ لَمْ يُجْزِهِ، وَمِثَالُهُ مِنَ الزَّكَاةِ أَنْ يَقُولَ: هَذَا زَكَاةُ مَالِي الْغَائِبِ، إِنْ كَانَ سَالِمًا، أَوْ نَافِلَةٌ لَا يُجْزِئُهُ، وَإِنْ كَانَ سَالِمًا لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِالنِّيَّةِ قَصْدَ فَرْضٍ خَالِصٍ، وَإِنَّمَا جَعَلَهَا مُشْتَرَكَةً بَيْنَ فَرْضٍ وَنَافِلَةٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

مَسْأَلَةٌ:

قَالَ الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ عَقَدَ رَجُلٌ عَلَى أَنَّ غَدًا عِنْدَهُ مِنْ رَمَضَانَ فِي يَوْمِ شَكٍّ ثَمَّ بَانَ لَهُ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَجْزَأْهُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: إِذَا صَحَّ عِنْدَهُ أَنَّ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ، لِأَنَّهُ رَآهُ وَحْدَهُ، وَالْقَاضِي لا يسمع قوله، والقاضي أَخْبَرَهُ بِمَا يَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِهِ، وَعَبِيدِهِ فَنَوَى صِيَامَ الْغَدِ، وَالنَّاسُ عَلَى شَكٍّ ثُمَّ بَانَ لَهُمْ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ فَقَدْ أَجْزَأَهُ صَوْمُهُ، وَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي الصَّوْمِ عَنْ دَلَالَةٍ، وَاسْتَفْتَحَ الْعِبَادَةَ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ لَا بِالشُّبْهَةِ، أَلَا تَرَاهُ لَوْ سَمِعَ أَذَانَ الظُّهْرِ، فَاسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ لم يعلم يقين دخول الوقت أجزأه، ولو استفتحها عن شُبْهَةٍ وَشَكٍّ لَمْ يُجْزِهِ، وَإِنْ صَادَفَ الْوَقْتَ فَكَذَا الصِّيَامُ مِثْلُهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَأَمَّا إِذَا عَلِمَ أَنَّ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ بِحِسَابِ النُّجُومِ، وَمَنَازِلِ الْقَمَرِ فَنَوَى الصَّوْمَ، ثُمَّ بَانَ لِلنَّاسِ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ فَفِيهِ لِأَصْحَابِنَا وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يُجْزِيهِ صَوْمُهُ وَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ اسْتَنَدَ إِلَى دَلَالَةٍ وَقَعَ لَهُ الْعِلْمُ بِهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>