للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ مَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ، إِنَّهَا وَجَبَتْ عَلَيْهَا، ثُمَّ تَحَمَّلَ الزَّوْجُ عَنْهَا.

وَالثَّانِي: إِنَّهَا وَجَبَتِ ابْتِدَاءً عَلَى الزَّوْجِ وَذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي بَعْضِ أَمَالِيهِ إِنَّ عَلَيْهِمَا كَفَّارَتَيْنِ، فَخَرَّجَهُ أَصْحَابُنَا قَوْلًا ثَانِيًا: وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَبِهِ قَالَ أبو حنيفة وَمَالِكٌ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهُمَا لَمَّا اشْتَرَكَا في سائر موجبات الوطء من الماتم وَالْقَضَاءِ، وَوُجُوبِ الْغُسْلِ وَالْعُقُوبَةِ وَجَبَ أَنْ يَشْتَرِكَا فِي الْكَفَّارَةِ أَيْضًا، فَيَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفَّارَةٌ، وَلِأَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي سَبَبٍ تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفَّارَةٌ، كَالْقَتْلِ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدٌ مِنَ الْعُقُودِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا تَتَحَمَّلَ بِهِ الْكَفَّارَةُ أَصْلُهُ عَقْدُ الْبَيْعِ، وَالْإِجَارَةِ قَالُوا: وَلِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إِيجَابُكُمُ الْكَفَّارَةَ الْوَاحِدَةَ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ تَجِبَ عَلَى الزَّوْجِ وَحْدَهُ أَوْ تَجِبَ عَلَيْهِمَا مَعًا، فَيَبْطُلَ أَنْ تَجِبَ عَلَى الزَّوْجِ وَحْدَهُ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي مُوجِبِ الْكَفَّارَةِ وَهُوَ الْوَطْءُ، وَيَبْطُلَ أَنْ تَجِبَ عَلَيْهِمَا مَعًا، لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَلْزَمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ كَفَّارَةٍ وَهَذَا خِلَافُ الْأُصُولِ، وَالدَّلَالَةُ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَاهُ فِي وُجُوبِ كَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَيْهِمَا، مَا رَوَيْنَاهُ فِي حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَعْتِقْ رَقَبَةً " وَالدَّلِيلُ فِي هَذَا الْخَبَرِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْأَعْرَابِيَّ إِنَّمَا سَأَلَهُ عَنْ فِعْلٍ شَارَكَ فِيهِ زَوْجَتَهُ مَعَ جَهْلِهِمَا بِحُكْمِهِ، فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ جَوَابُهُ حُكْمًا لِجَمِيعِ الْحَادِثَةِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ لَا يَجُوزُ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ أَنَّهُ أَمَرَ الْمَرْأَةَ بِالْكَفَّارَةِ، وَلَا رَاسَلَهَا بِإِخْرَاجِهَا مَعَ جَهْلِهَا بِالْحُكْمِ، فِيمَا دَلَّ عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَلْزَمُهَا فَإِنْ قِيلَ: إِنَّمَا لَمْ يَأْمُرْهَا بِالْكَفَّارَةِ، لِأَنَّهَا مُكْرَهَةٌ لِقَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ هَلَكْتُ وَأَهْلَكْتُ، قِيلَ: الْمَنْقُولُ فِي الْخَبَرِ غَيْرُ هَذَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَكَانَ هُوَ الْحُجَّةُ فِي عَدَمِ الْإِكْرَاهِ، لِأَنَّ الْمُكْرَهَةَ لَا تَهْلِكُ بِفِعْلِ مَا أُكْرِهَتْ عَلَيْهِ، وَلَا يَلْحَقُهَا فِيهِ إِثْمٌ فَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ أَهْلَكَهَا عُلِمَ أَنَّهُ سَأَلَهَا فَطَاوَعَتْهُ، فَهَلَكَتْ بِمُطَاوَعَتِهِ، وَلِأَنَّهُ حَقٌّ فِي مَالٍ يَتَعَلَّقُ بِالْوَطْءِ، فَوَجَبَ أَنْ يَخْتَصَّ الزَّوْجُ بِتَحَمُّلِهِ كَالْمَهْرِ فَأَمَّا مَا احْتَجُّوا بِهِ مِنَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي الْإِثْمِ وَالْقَضَاءِ فَجَمْعٌ بِلَا مَعْنَى عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ يُعْتَبَرُ بِهَا الْفِعْلُ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ بِهَا الْفَاعِلُ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِكَا فِي الْفِعْلِ، وَيَخْتَلِفَ أَحْكَامُهُمَا بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِهِمَا كَالزِّنَا، وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى كَفَّارَةِ الْقَتْلِ، فَالْمَعْنَى فِيهِ أنه ليس من موجبات الوطئ، وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى عَقْدِ الْبَيْعِ فَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ لَا يُوجِبُ النَّفَقَةَ وَالْكُسْوَةَ وَزَكَاةَ الْفِطْرِ.

وَقَوْلُهُمْ: لَا يَخْلُو حَالُ الْكَفَّارَاتِ، إِمَّا أَنْ تَجِبَ عَلَى الزَّوْجِ، أَوْ عَلَيْهِمَا قُلْنَا: فِيهِ قولان:

<<  <  ج: ص:  >  >>