للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الوطء أغلظ الْأَحْكَامِ تَغْلِيظًا بِإِفْسَادِ الْحَجِّ فَكَذَلِكَ فِي الصَّوْمِ، لَمَّا سَاوَى الْوَطْءُ الْأَكْلَ فِي إِفْسَادِ الصَّوْمِ اقْتَضَى أَنْ يَخْتَصَّ الْوَطْءُ بِالْكَفَّارَةِ تَغْلِيظًا دُونَ الْأَكْلِ، وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ يَتَعَلَّقُ بِالْوَطْءِ فِيهَا كَفَّارَةٌ، فَلَمْ يُسْتَحَقَّ تِلْكَ الْكَفَّارَةَ بِمَحْظُورٍ غَيْرِ الْوَطْءِ كَالْحَجِّ، فَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَمَرَ الْمُفْطِرَ بِالْكَفَّارَةِ، وَهَذَا مُجْمَلُ رَاوِيَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَدْ فَسَّرَهُ فِيمَا رَوَيْنَاهُ مِنْ قِصَّةِ الْأَعْرَابِيِّ، وَأَنَّهَا وَارِدَةٌ فِي الْجِمَاعِ وَتَفْسِيرُ الرَّاوِي أَوْلَى مِنْ إِجْمَالِهِ، وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِقَوْلِهِ: " مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُظَاهِرِ " فَلَا دَلِيلَ فِيهِ لِأَنَّ عَلَى الْمُظَاهِرِ الِاسْتِغْفَارُ وَإِنَّمَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ بِالْعَوْدِ، لَا بِالظِّهَارِ، فَكَانَ دَلِيلُ هَذَا الْخَبَرِ يُوجِبُ عَلَى الْأَكْلِ الِاسْتِغْفَارَ، وَسُقُوطَ الْكَفَّارَةِ، وَأَمَّا قِيَاسُ مَالِكٍ فَفَاسِدٌ بِمَنِ اسْتَقَاءَ عَامِدًا.

وَأَمَّا قِيَاسُ أبي حنيفة فَفَاسِدٌ بِالْقَيْءِ أَيْضًا إِذَا مَلَأَ الْفَمَ، لِأَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ عَلَى مَا يَقَعُ بِهِ هَتْكُ الْحُرْمَةِ، لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الْفِطْرِ لِأَنَّهُ لَوْ أَفْطَرَ بِالسَّهْوِ مَا لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَعْلَى الْمَأْكُولِ.

فَصْلٌ

: فَإِذَا ثَبَتَ سُقُوطُ الْكَفَّارَةِ عَنِ الْأَكْلِ عَامِدًا، فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْعُقُوبَةُ فَيُعَزَّرُ عَلَى حسب حاله، ولا تبلغ بِهِ أَدْنَى الْحُدُودِ.

وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُطْعِمَ فَوْقَ كَفَّارَةِ الْحَامِلِ، وَدُونَ كَفَّارَةِ الْوَاطِئِ وَهَذَا مَذْهَبٌ لَا يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى خَبَرٍ، وَلَا أَثَرٍ، وَلَا قِيَاسٍ.

وَحُكِيَ عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَ اثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا مَكَانَ يَوْمٍ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَ شَهْرٍ مَكَانَ يَوْمٍ، وَعَنِ النَّخَعِيِّ: أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَ ثَلَاثَةِ آلَافِ يَوْمٍ مَكَانَ يَوْمٍ، وَعَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ لَا يَقْضِيهِ بِصِيَامِ الدَّهْرِ، وَالَّذِي عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنْ يَقْضِيَ يَوْمًا مَكَانَ يَوْمٍ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: وصم يوماً مكانه.

[مسألة:]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنْ تَلَذَّذَ بِامْرَأَتِهِ حَتَّى يُنْزِلَ فَقَدْ أَفْطَرَ وَلَا كَفَّارَةَ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا إِنْ وَطِئَ دُونَ الْفَرْجِ أَوْ قَبَّلَ أَوْ بَاشَرَ فَلَمْ يُنْزِلْ فَهُوَ عَلَى صَوْمِهِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَلَا كَفَّارَةَ وَإِنْ أَنْزَلَ فَقَدْ أَفْطَرَ، وَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ إِجْمَاعًا، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ أبي حنيفة.

وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ إِنْزَالٌ عَنْ مُبَاشَرَةٍ، فَوَجَبَ أَنْ تَتَعَلَّقَ بِهِ الْكَفَّارَةُ كَالْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ.

وَدَلِيلُنَا أَنَّهُ إِفْطَارٌ بِغَيْرِ جِمَاعٍ فَوَجَبَ أَنْ لَا تَلْزَمَهُ الْكَفَّارَةُ أَصْلُهُ إِذَا تَقَيَّأَ عَامِدًا، وَالْمَعْنَى فِي الْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ الْإِيلَاجُ لَا الْإِنْزَالُ، لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَلْزَمُهُ بِالْإِيلَاجِ أَنْزَلَ أَوْ لم ينزل.

<<  <  ج: ص:  >  >>