للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّ عَلَيْهِمَا الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ مِنْ حِنْطَةٍ، وَبِهِ قَالَ مُجَاهِدٌ وَأَحْمَدُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي كِتَابِ " الْبُوَيْطِيِّ " تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْمُرْضِعِ دُونَ الْحَامِلِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَقَالَ أبو حنيفة وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو عَبِيدٍ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالْمُزَنِيُّ: لَا كَفَّارَةَ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، وإنما يتسحب ذك لَهُمَا وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ خَرَّجَهُ قَوْلًا ثَالِثًا للشافعي، ومنهم من أنكره وحكي عن عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا أَوْجَبَا الْكَفَّارَةَ، وَأَسْقَطَا الْقَضَاءَ وَاسْتَدَلَّ أبو حنيفة وَمَنْ تَابَعَهُ بِرِوَايَةِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: " إن الله وضع على الْمُسَافِرِ شَطْرَ الصَّلَاةِ وَوَضَعَ الصَّوْمَ عَنِ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ وَالْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ ". فَاقْتَضَى ظَاهِرُ هَذَا الْخَبَرِ، أَنَّ أَحْكَامَ الصَّوْمِ مَوْضُوعَةٌ مِنْ كَفَّارَةٍ، وَقَضَاءٍ إِلَّا مَا قَامَ دَلِيلُهُ مِنْ وُجُوبِ الْقَضَاءِ قَالُوا: وَلِأَنَّهُ إِفْطَارٌ بِعُذْرٍ فَوَجَبَ أَنْ لَا تَلْزَمَ بِهِ الْكَفَّارَةُ، كَالْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ، قَالُوا: وَلِأَنَّ الْأَعْذَارَ فِي الْفِطْرِ ضَرْبَانِ:

ضَرْبٌ يُوجِبُ الْقَضَاءَ، وَيُسْقِطُ الْكَفَّارَةَ كَالسَّفَرِ وَالْمَرَضِ.

وَضَرْبٌ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ وَيُسْقِطُ الْقَضَاءَ كَالشَّيْخِ الْهَرِمِ فَأَمَّا اجْتِمَاعُهُمَا بِعُذْرٍ فَخِلَافُ الْأُصُولِ، وَمِمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُزَنِيُّ، أَنَّهُ قَالَ إِذَا كَانَ الْأَكْلُ عَامِدًا لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ مَعَ كَوْنِهِ آثِمًا عَاصِيًا، فَالْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ اللَّذَانِ لَمْ يَعْصِيَا بِالْفِطْرِ، وَلَمْ يَأْثَمَا بِهِ، أَوْلَى أَنْ لَا تَجِبَ عَلَيْهِمَا الْكَفَّارَةُ، وَهَذَا خَطَأٌ وَالدَّلَالَةُ عَلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ قَوْله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مَسَاكينٍ) {البقرة: ١٨٤) وَالْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ مِمَّنْ يُطِيقُ الصِّيَامَ فَوَجَبَ بِظَاهِرِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنْ تَلْزَمَهُمَا الْفِدْيَةُ، فَإِنْ قِيلَ: فَهَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) {البقرة: ١٨٥) فَحَتَّمَ الصَّوْمَ عَلَى الْمُطِيقِينَ، وَأَسْقَطَ عَنْهُمُ الْفِدْيَةَ قِيلَ: إِنَّمَا نُسِخُ مِنْهَا التَّخْيِيرُ، فِيمَا عَدَا الْحَامِلَ وَالْمُرْضِعَ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى جَوَازِ الْفِطْرِ لَهُمَا، مَعَ الطَّاقَةِ وَالْقُدْرَةِ فَبَقِيَتِ الْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ، وَلِأَنَّهَا مُقِيمَةٌ صَحِيحَةٌ بَاشَرَتِ الْفِطْرَ بِعُذْرٍ مُعْتَادٍ فَوَجَبَ أَنْ تَلْزَمَهَا الْكَفَّارَةُ كَالشَّيْخِ الْهَرِمِ وَلِأَنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ يَجْتَمِعُ فِيهَا الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ الْعُظْمَى فَجَازَ أَنْ يَجْتَمِعَ فِيهَا الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ الصُّغْرَى كَالْحَجِّ، وَلِأَنَّ الْفِطْرَ فِطْرَانِ فِطْرٌ بِعُذْرٍ، وَفِطْرٌ بِغَيْرِ عُذْرٍ، ثُمَّ كَانَ الْفِطْرُ بِغَيْرِ عُذْرٍ يَتَنَوَّعُ نَوْعَيْنِ، نَوْعٌ يَثْبُتُ به القضاء حسب وَهُوَ الْأَكْلُ، وَنَوْعٌ يَثْبُتُ بِهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ وَهُوَ الْجِمَاعُ فَكَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَتَنَوَّعَ الْفِطْرُ بِعُذْرٍ نَوْعَيْنِ، نَوْعٌ يَجِبُ بِهِ الْقَضَاءُ حَسْبُ وَنَوْعٌ يَجِبُ بِهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ، وَإِنْ شِئْتَ حَرَّرْتَ هَذَا فَقُلْتَ: لِأَنَّهُ أَحَدُ نَوْعَيِ الْفِطْرِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ مَا يَجِبُ بِهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ كَالْإِفْطَارِ بِغَيْرِ عُذْرٍ، فَأَمَّا الْخَبَرُ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ سُقُوطَ انْحِتَامِ الصَّوْمِ، لَا يُؤْذِنُ بِسُقُوطِ الْكَفَّارَةِ أَلَا تَرَى الشَّيْخَ الْهَرِمَ قَدْ سَقَطَ عَنْهُ انْحِتَامُ الصَّوْمِ، وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَقِيَاسُهُمْ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>