للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْكَفَّارَةِ، وَإِنْ كَرَّرَ النَّظَرَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ وَالْيَدَانِ تَزْنِيَانِ " وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ وَيُكَذِّبُهُ الْفَرْجُ فَسَوَّى بَيْنَ النَّظَرِ وَاللَّمْسِ، وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّهُ إِنْزَالٌ عَنْ غَيْرِ مُبَاشَرَةٍ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُفْطِرَ كَالْفِكْرِ وَالِاحْتِلَامِ، وَلِأَنَّ النَّظْرَةَ الْأُولَى لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهَا، وَمَا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ لَا يَقَعُ بِهِ الْفِطْرُ كَالدُّخَانِ وَالْغُبَارِ، فَأَمَّا الْخَبَرُ فَكَذَا نَقُولُ إِذَا صَدَّقَهُ الْفَرْجُ صَارَ زِنًا يُسْتَوْجَبُ بِهِ الْحَدُّ وَالْكَفَّارَةُ، فَأَمَّا بِمُجَرَّدِ الرُّؤْيَةِ فَلَا حَدَّ وَلَا كفارة.

[مسألة:]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِذَا أُغْمِيَ عَلَى رجلٍ فَمَضَى لَهُ يَوْمٌ أَوْ يَوْمَانِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ وَلَمْ يَكُنْ أَكَلَ وَلَا شَرِبَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَإِنْ أَفَاقَ فِي بَعْضِ النَّهَارِ فَهُوَ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ صائم وكذلك إن أصبح راقداً ثم استيقظ (قال المزني) إذا نوى من الليل ثم أغمي عليه فهو عندي صائم أفاق أو لم يفق واليوم الثاني ليس بصائم لأنه لم ينوه في الليل وإذا لم ينو في الليل فأصبح مفيقاً فليس بصائم ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا إِذَا نَوَى الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ نَهَارَهُ أَجْمَعَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ صَوْمَهُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ أَتَى بِنِيَّةٍ مُجَرَّدَةٍ عَرِيَتْ عَنْ قَصْدٍ وَعَمَلٍ، فَشَابَهَ الصَّلَاةَ، وَقَالَ الْمُزَنِيُّ: صَوْمُهُ جَائِزٌ قِيَاسًا عَلَى النَّائِمِ فَأَمَّا إِذَا نَوَى الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ، ثُمَّ نَامَ نَهَارَهُ أَجْمَعَ، فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ عَلَى صَوْمِهِ لأنه حُكْمَ الْعِبَادَاتِ جَارٍ عَلَيْهِ، وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ: صَوْمُهُ بَاطِلٌ قِيَاسًا عَلَى الْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ النَّوْمِ، وَالْإِغْمَاءِ وَاضِحٌ، وَهُوَ أَنَّ النَّوْمَ جِبِلَّةٌ، وَعَادَةٌ تَجْرِي مَجْرَى الصِّحَّةِ الَّتِي لَا قِوَامَ لِلْبَدَنِ إِلَّا بِهَا، وَالْإِغْمَاءُ عَارِضٌ مُزِيلٌ لِحُكْمِ الْخِطَابِ فَلَمْ يَصِحَّ مَعَهُ الصِّيَامُ إِذَا اتَّصَلَ، وَاسْتَدَامَ فَأَمَّا إِذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي بَعْضِ النَّهَارِ، وَأَفَاقَ فِي بَعْضِهِ فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ هَاهُنَا: إِذَا أَفَاقَ فِي بَعْضِ نَهَارِهِ صَحَّ صَوْمُهُ، وَقَالَ فِي كِتَابِ الظِّهَارِ إِذَا أَفَاقَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ صَحَّ صَوْمُهُ، وَقَالَ فِي اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ: وَإِذَا حَاضَتْ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهَا بَطَلَ صَوْمُهَا، فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مذهب الشافعي على ثلاثة أوجه:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقَاوِيلَ مَنْصُوصَةٍ:

أَحَدُهَا: مَتَى أَفَاقَ فِي بَعْضِ نَهَارِهِ صَحَّ صَوْمُهُ.

وَالثَّانِي: أَنَّ صَوْمَهُ لَا يَصِحُّ حَتَّى يَكُونَ مُفِيقًا فِي أَوَّلِ النَّهَارِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>