للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

السفر " فخارج عن سَبَبٍ، وَهُوَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَرَّ برجلٍ، وَقَدِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَاسُ وَهُوَ يُنْقَلُ مِنْ فَيْءٍ إِلَى فَيْءٍ فَسَأَلَ عَنْهُ فَقَالُوا: أَجْهَدَهُ الصَّوْمُ فَقَالَ: لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ يَعْنِي لِمَنْ كَانَ فِي مِثْلِ حَالِهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ " الصَّائِمُ فِي السَّفَرِ كَالْمُفْطِرِ فِي الْحَضَرِ " فَمَوْقُوفٌ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَإِنْ صَحَّ فَمَعْنَاهُ إِذَا اعْتَقَدَ وُجُوبَ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ.

فَصْلٌ

: فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْفِطْرَ رُخْصَةٌ فَالصَّوْمُ أَوْلَى لَهُ، إِذَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَقَالَ مَالِكٌ: الْفِطْرُ أَوْلَى لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ وَفِي رِوَايَةٍ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يُؤْخَذَ بِرُخَصِهِ كَمَا يُحِبُّ أَنْ يُؤْخَذَ بِعَزَائِمِهِ " قَالَ وَكَمَا أَنَّ قَصْرَ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ أَوْلَى مِنْ إِتْمَامِهَا كَذَلِكَ الْفِطْرُ أَوْلَى مِنَ الصِّيَامِ، وَدَلِيلُنَا مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ كَانَ لَهُ حمولةٌ زَادٍ فَإِذَا شَبِعَ فَلْيَصُمْ رَمَضَانَ حَيْثُ أَدْرَكَهُ " وَرُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَمَّا فَرَغَتْ مِنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ صُمْتُ وَمَا أَفْطَرْتُ وَأَتْمَمْتُ، وَمَا قَصَرْتُ فَقَالَ لَهَا: أَحْسَنْتِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الصَّوْمَ أَفْضَلُ، وَلِأَنَّ الْفِطْرَ رُخْصَةٌ، وَالصَّوْمَ عَزِيمَةٌ وَفِعْلُ الْعَزِيمَةِ أَفْضَلُ مِنْ فِعْلِ الرُّخْصَةِ، فَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يُؤْخَذَ بِرُخَصِهِ كَمَا يُحِبُّ أَنْ يُؤْخَذَ بِعَزَائِمِهِ " فَضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ، وَإِنْ صَحَّ فَلَا دَلِيلَ فِيهِ، لِأَنَّهُ أَحَبَّ الْأَخْذَ بِالرُّخْصَةِ وَالْعَزِيمَةِ، وَإِذَا أَحَبَّهُمَا مَعًا، وكان إحداهما مُسْقِطًا لِمَا تَعَلَّقَ بِالذِّمَّةِ، فَهُوَ أَوْلَى، وَأَمَّا قَصْرُ الصَّلَاةِ فَلَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُنَا فَقَالَ بَعْضُهُمُ الْإِتْمَامُ أَوْلَى كَالصَّوْمِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْقَصْرُ أَوْلَى، وَإِنَّمَا كَانَ الْقَصْرُ أَوْلَى مِنَ الْإِتْمَامِ، وَأَفْضَلَ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ فِيهِ الْقَضَاءُ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ إِيجَابُ ضَمَانٍ فِي الذِّمَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْفِطْرُ، لِأَنَّهُ إِذَا أَفْطَرَ تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ ضَمَانُ الْقَضَاءِ فَلِذَلِكَ مَا اخْتَلَفَا.

مَسْأَلَةٌ:

قَالَ الشافعي رضي الله عنه: " وَلَيْسَ لأحدٍ أَنْ يَصُومَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ديناً وَلَا قَضَاءً لِغَيْرِهِ فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يُجْزِهِ لرمضان ولا لغيره صام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في السفر وأفطر وقال لحمزة رضي الله عنه " إن شئت فصم وإن شئت فافطر ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ زَمَانَ رَمَضَانَ يَمْنَعُ مِنْ إِيقَاعِ غَيْرِهِ فِيهِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، فَإِنْ صَامَ فِيهِ نَذْرًا أَوْ قَضَاءً أَوْ كَفَّارَةً أَوْ تَطَوُّعًا لَمْ يُجْزِهِ عَنْ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ، وَلَا عَنْ غَيْرِهِ لِأَنَّ الزَّمَانَ يَمْنَعُ مِنْ إِيقَاعِهِ وَحَكَيْنَا خِلَافَ أبي حنيفة، وَأَصْحَابِهِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، وَدَلَّلْنَا له وعليه بما فيه كافية وغنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>