للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مسألة:]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنْ قَدِمَ رَجُلٌ مِنْ سَفَرٍ نَهَارًا مُفْطِرًا كَانَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ حَيْثُ لَا يَرَاهُ أحدٌ وَإِنْ كَانَتِ امْرَأَتُهُ حَائِضًا فَطَهُرَتْ كَانَ لَهُ أَنْ يُجَامِعَهَا وَلَوْ تَرَكَ ذَلِكَ كَانَ أحل إِلَيَّ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: إِذَا قَدِمَ رَجُلٌ نَهَارًا مِنْ سَفَرِهِ، وَكَانَ قَدْ أَفْطَرَ فِي أَوَّلِ يَوْمِهِ، فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ فِي بَقِيَّةِ الْيَوْمِ، وَإِنْ صَادَفَ امْرَأَتَهُ قَدْ طَهُرَتْ مِنْ حَيْضِهَا فَلَهُ أَنْ يُجَامِعَهَا، لَكِنْ يَسْتَتِرُ بِهَذَا الْفِعْلِ خَوْفًا مِنَ التُّهْمَةِ وَالتَّعْرِيضِ لِلْعُقُوبَةِ، وَلَا يَلْزَمُهُ إِمْسَاكٌ بَقِيَّةَ هَذَا الْيَوْمِ، وَلَوْ فَعَلَ كَانَ حَسَنًا، وَقَالَ أبو حنيفة: عَلَيْهِ أَنْ يُمْسِكَ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ تَعَلُّقًا بِمَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَعَثَ إِلَى أَهْلِ الْعَوَالِي فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ فَقَالَ مَنْ أَكَلَ فَلْيُمْسِكْ وَمَنْ لَمْ يَأْكُلْ فَلْيَصُمْ فَأَمَرَهُمْ بِالْإِمْسَاكِ مَعَ تَقَدُّمِ الْفِطْرِ. قَالَ وَلِأَنَّ كُلَّ مَعْنًى لَوْ وُجِدَ فِي ابْتِدَاءِ الصَّوْمِ لَزِمَهُ إِمْسَاكُ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَإِذَا وُجِدَ فِي أَثْنَائِهِ لَزِمَهُ إِمْسَاكُ بَقِيَّتِهِ.

أَصْلُ ذَلِكَ: إِذَا أَصْبَحَ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ عَلَى شَكٍّ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ، وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّ كُلَّ مَنْ جَازَ لَهُ الْأَكْلُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ مَعَ الْعِلْمِ بِالصَّوْمِ، فَإِذَا أَفْطَرَ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يُمْسِكَ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ. أَصْلُهُ الْحَائِضُ إِذَا طَهُرَتْ أَوِ السَّفَرُ إِذَا اتَّصَلَ فَأَمَّا حَدِيثُ عَاشُورَاءَ فَقَدْ كَانَ تَطَوُّعًا وَأُمِرُوا بِإِمْسَاكِهِ اسْتِحْبَابًا، وَلَوْ صَحَّ وُجُوبُهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلِيلٌ لِأَنَّهُمْ لَوْ عَلِمُوا وُجُوبَهُ، قَبْلَ الْأَكْلِ لَزِمَهُمُ الصَّوْمُ فَشَابَهَ يَوْمَ الشَّكِّ الَّذِي يَلْزَمُهُمْ إِمْسَاكُ بَقِيَّتِهِ إِذَا عَلِمُوا أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ، لِأَنَّ هَذَا الْعِلْمَ لَوْ تَقَدَّمَ لَزِمَهُمُ الصَّوْمُ، وَلَمْ يَجُزِ الْفِطْرُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُسَافِرُ، لِأَنَّ الْفِطْرَ لَهُ جَائِزٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَصْلٌ

: فَأَمَّا الْحَائِضُ إِذَا طَهُرَتْ فِي نَهَارِ يَوْمٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَلَيْسَ عَلَيْهَا إِمْسَاكُ بَقِيَّتِهِ بِوِفَاقِ أبي حنيفة، وَقَدْ حُكِيَ عَنْهُ وُجُوبُ الْإِمْسَاكِ عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ بَلَغَ صَبِيٌّ أَوْ أَسْلَمَ كَافِرٌ أَوْ أَفَاقَ مَجْنُونٌ فِي نَهَارٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، لَمْ يَلْزَمْهُمْ إِمْسَاكُ بَقِيَّةِ الْيَوْمِ كَالْمُسَافِرِ، وَالْحَائِضِ، وَخَالَفَنَا أبو حنيفة فَأَلْزَمَهُمُ الْإِمْسَاكَ، وَفِيمَا مَضَى مِنَ الدَّلِيلِ كِفَايَةٌ فَأَمَّا الْمَرِيضُ إِذَا أَفْطَرَ فِي صَدْرِ النَّهَارِ لِمَرَضٍ، ثُمَّ صَحَّ فِي آخِرِهِ فَعِنْدَ الْبَغْدَادِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ كَالْمُسَافِرِ لَا يَلْزَمُهُ الْإِمْسَاكُ، وَعِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ عَلَيْهِ أَنْ يُمْسِكَ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ الْفِطْرُ لِعَجْزِهِ عَنِ الصَّوْمِ فَإِذَا زَالَ الْعَجْزُ، وَأَمْكَنَهُ الصَّوْمُ ارْتَفَعَ مَعْنَى الْإِبَاحَةِ وَلَزِمَهُ الْإِمْسَاكُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُسَافِرُ، لِأَنَّهُ يُفْطِرُ وَإِنْ أَطَاقَ الصَّوْمَ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَقْيَسُ، وَهَذَا أَشْبَهُ.

فَصْلٌ

: قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْأُمِّ فَإِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ، وَلَمْ يَكُنْ أَكَلَ ولا شرب ولا نوى الصوم وكان وعلى نِيَّةِ الْفِطْرِ، فَلَمْ يُفْطِرْ حَتَّى قَدِمَ فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِمْسَاكُ، وَلَوْ أَمْسَكَ كَانَ أَوْلَى وَإِنَّمَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِمْسَاكُ لِأَنَّهُ قَدْ أَفْطَرَ بِتَرْكِ النِّيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ فصار بمثابة

<<  <  ج: ص:  >  >>