للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَنْ أَفْطَرَ بِالْأَكْلِ فَأَمَّا إِذَا نَوَى الصَّوْمَ فِي سَفَرِهِ، ثُمَّ قَدِمَ نَاوِيًا فَهَلْ يَلْزَمُهُ إِتْمَامُ صَوْمِهِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ يَلْزَمُهُ إِتْمَامُ صَوْمِهِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ، لِأَنَّ زَوَالَ السَّفَرِ قَدْ رَفَعَ حُكْمَ الْإِبَاحَةِ كَالْمُسَافِرِ إِذَا نَوَى الْقَصْرَ، ثُمَّ أَقَامَ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أبي هُرَيْرَةَ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، فِي حَرْمَلَةَ أَنَّهُ عَلَى خِيَارِهِ إِنْ شَاءَ صَامَ، وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ لِأَنَّ حُكْمَ الْيَوْمِ مُعْتَبَرٌ بِأَوَّلِهِ أَلَا تَرَاهُ لَوْ نَوَى الصَّوْمَ مُقِيمًا، ثُمَّ سافر لم يجز له أن يفطر اعتبار بِحُكْمِ أَوَّلِهِ، فَكَذَلِكَ إِذَا نَوَى الصَّوْمَ مُسَافِرًا، ثُمَّ أَقَامَ فَلَهُ أَنْ يُفْطِرَ اعْتِبَارًا بِحُكْمِ أَوَّلِ الْيَوْمِ، فَلَوْ نَوَى الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُفْطِرَ فِي سِفْرِهِ فَلَهُ ذَلِكَ، وَلَوْ نَوَى إِتْمَامَ الصَّلَاةِ ثُمَّ أَرَادَ الْقَصْرَ لَمْ يَجُزْ لَهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْفِطْرَ يُضْمَنُ بِالْقَضَاءِ وَعُذْرُ الْإِفْطَارِ قَائِمٌ بِدَوَامِ السَّفَرِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْقَصْرُ لِأَنَّهُ لَا يُضْمَنُ بِالْقَضَاءِ، وَقَدْ ضُمِنَ الْإِتْمَامُ عَلَى نَفْسِهِ فَلِهَذَا المعنى فصل بينهما.

[مسألة:]

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " وَلَوْ أَنَّ مُقِيمًا نَوَى الصَّوْمَ قَبْلَ الْفَجْرِ ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَ الْفَجْرِ مُسَافِرًا لَمْ يُفْطِرْ يَوْمَهُ لِأَنَّهُ دخل فيه مقيماً (قال المزني) رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه صام في مخرجه إلى مكة في رمضان حتى بلغ كراع الغميم وصام الناس معه ثم أفطر وأمر من صام معه بالإفطار ولو كان لا يجوز فطره ما فعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا الْفَصْلُ يَشْتَمِلُ عَلَى أَرْبَعِ مَسَائِلَ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَبْتَدِئَ السَّفَرَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا شُبْهَةَ أَنَّهُ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ صَامَ، وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ لِأَنَّهُ ابْتَدَأَ السَّفَرَ فِي زَمَانٍ يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ فِيهِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَتَحَتَّمُ عَلَيْهِ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ.

وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَنْوِيَ الصِّيَامَ، وَهُوَ مُقِيمٌ ثُمَّ يُسَافِرَ بَعْدَ الْفَجْرِ، فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وأبي حنيفة أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّ صَوْمَهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ، وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُزَنِيِّ أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ فِي الصَّوْمِ وَالْإِفْطَارِ تَعَلُّقًا بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ مِنَ الْمَدِينَةِ صَائِمًا فَلَمَّا بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ أَفْطَرَ فَحَصَلَ صَائِمًا فِي أَوَّلِ النَّهَارِ مُفْطِرًا فِي آخِرِهِ، قَالُوا: وَلِأَنَّ الْفِطْرَ إِنَّمَا أُبِيحَ بِأَحَدِ شَيْئَيْنِ، الْمَرَضُ، وَالسَّفَرُ، ثم تبت أَنَّ لِلْمَرِيضِ أَنْ يُفْطِرَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ، وأن صَامَ فِي أَوَّلِهِ فَكَذَلِكَ الْمُسَافِرُ وَهَذَا خَطَأٌ، وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِمْ قَوْله تَعَالَى: {وَلاَ تُبْطِلُواْ أعْمَالَكُمْ) {محمد: ٣٣) لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَخْتَلِفُ بِالسَّفَرِ وَالْحَضَرِ فَوَجَبَ إِذَا ابْتَدَأَهَا فِي الْحَضَرِ ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ السَّفَرُ، أَنْ يَغْلِبَ حُكْمُ الْحَضَرِ كَالصَّلَاةِ وَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ خَلَطَ إِبَاحَةً بِحَظْرٍ وَلَا بُدَّ مِنْ تَغْلِيبِ أَحَدِهِمَا فِي الْحُكْمِ، فكان تغليب

<<  <  ج: ص:  >  >>