للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهَا: إِنَّهُ فِي قَوْلِهِ: إِنِّي صَائِمٌ إِنِّي صائم شفاء لغيظه وسكوناً لنفسه، فَيَمْتَنِعُ عَنْ جَوَابِ خَصْمِهِ.

وَالثَّالِثُ: لِيَعْلَمَ خَصْمُهُ صِيَامَهُ، فَيَكُفَّ عَنْ شَتْمِهِ وَأَذَاهُ، فَلَوْ خَالَفَ هَذَا فَكَذَبَ أَوِ اغْتَابَ أَوْ نَمَّ أَوْ شَتَمَ كَانَ آثِمًا مُسِيئًا وَهُوَ عَلَى صَوْمِهِ، وَبِهِ قَالَ جَمِيعُ الْفُقَهَاءِ إِلَّا الْأَوْزَاعِيَّ فَإِنَّهُ قَالَ: قَدْ أَفْطَرَ، وَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ تَعَلُّقًا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " خَمْسٌ يُفْطِرْنَ الْغِيبَةُ وَالنَمِيمَةُ وَالْكَذِبُ وَالنَظَرُ بِالشَّهْوَةِ واليمين الكاذبة " وهذا الخبر ورد علىطريق الزَّجْرِ وَالتَّغْلِيظِ، وَسُقُوطِ الثَّوَابِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أنْ يَأْكُلْ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً} (الحجرات: ١٢) وَالْإِنْسَانُ لَا يَأْكُلُ لحم أخيه ميتاً بالغيبة وإنما أثم كَإِثْمِهِ لَوْ أَكَلَ، وَكَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَنْ تَكَلَّمَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلَا جُمُعَةَ لَهُ " تَشْدِيدٌ فِي سُقُوطِ الثَّوَابِ وَإِنَّمَا حَمَلْنَاهُ عَلَى هَذَا، لِأَنَّ دَلِيلَ الْإِجْمَاعِ يَدْفَعُهُ، وَلِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ كَانَ الْمُبَاحُ مِنْهُ لَا يُفْطِرُ، فَإِنَّ الْمَحْظُورَ مِنْهُ لَا يُفْطِرُ، أَصْلُهُ الْقُبْلَةُ وَعَكْسُهُ الأكل والجماع.

[مسألة:]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَالشَّيْخُ الْكَبِيرُ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الصَوْمَ وَيَقْدِرُ عَلَى الْكَفَّارَةِ يَتَصَدَّقُ عَنْ كُلِّ يومٍ بِمُدٍّ من حنطة وروي عن ابن عباس في قوله جل وعز {وَعَلَى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} قال المرأة الهم والشيخ الكبير يفطران ويطعمان لكل يومٍ مسكيناً (قال الشافعي) وغيره من المفسرين يقرءونها " يطيقونه " وكذلك نقرؤها ونزعم أنها نزلت حيت نزل فرض الصوم ثم نسخ ذلك قال وآخر الآية يدل على هذا المعنى لأن الله عز وجل قال {فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطوَّعَ خَيْراً} فزاد على مسكين {فَهُوَ خَيْراً لَهُ} ثم قال: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} قال فلا يأمر بالصيام من لا يطيقه ثم بين فقال {فَمَن شَهِدَ مِنكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} وإلى هذا نذهب وهو أشبه بظاهر القرآن (قال المزني) هذا بين في التنزيل مستغنىً فيه عن التأويل ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا الشَّيْخُ الْهَرِمُ وَالشَّيْخَةُ الْهَرِمَةُ إِذَا عَجَزَا عَنِ الصَّوْمِ لِعَارِضٍ يُرْجَى زَوَالُهُ فهما كالمريض لهما أن يفطر أَوْ يَقْضِيَا إِذَا أَطَاقَا، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِمَا فَأَمَّا إِذَا عَجَزَا عَنِ الصِّيَامِ لِضَعْفِ الْكِبَرِ، وما لا يرجى زواله، أو كانا يلحقا فِي الصَّوْمِ مَشَقَّةٌ عَظِيمَةٌ، فَلَهُمَا أَنْ يُفْطِرَا وَعَلَيْهِمَا أَنْ يُطْعِمَا عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدًّا إِنْ أَمْكَنَهُمَا وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وأبو حنيفة وَصَاحِبَاهُ إِلَّا أَنَّ أبا حنيفة قَالَ: يُطْعِمَانِ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِنَ الْبُرِّ مُدَّيْنِ، وَمِنَ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ صَاعًا بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ في الكفارة.

<<  <  ج: ص:  >  >>