للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِالزَّوَالِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْعَشِيَّ فَحَدَّهُ أَصْحَابُنَا بِالزَّوَالِ، فَأَمَّا السِّوَاكُ غُدْوَةً إِلَى قَبْلِ الزَّوَالِ فَجَائِزٌ، وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ وأبي حنيفة جَوَازُهُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ تَعَلُّقًا بِمَا رُوِيَ عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا لَا أُحْصِي يَسْتَاكُ وَهُوَ صَائِمٌ.

وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ خَيْرُ خِصَالِ الصَائِمِ السِّوَاكُ وَرُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الصَّائِمِ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَاكَ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ؟ فَقَالَ: نَعَمْ شَيْءٌ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: نَعَمْ وَلِأَنَّ مَا يُسْتَحَبُّ فِعْلُهُ لِلصَّائِمِ قَبْلَ الزَّوَالِ يُسْتَحَبُّ لَهُ فِعْلُهُ بَعْدَ الزَّوَالِ كَالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ، وَالدَّلَالَةُ عَلَى كَرَاهَتِهِ عَشِيًّا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أَجْزِي عَلَيْهِ وَلَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ وَمَا هَذِهِ صِفَتُهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَحَبًّا، وَمَا كَانَ مُسْتَحَبًّا فَإِزَالَتُهُ مَكْرُوهَةٌ، وَخُلُوفُ الصَّوْمِ يَكُونُ عَشِيًّا، فَأَمَّا غُدْوَةً فَعَنْ نَوْمٍ، وَرُوِيَ عَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: إِذَا صَامَ أَحَدُكُمُ فَلْيَسْتَكْ بِالْغَدَاةِ وَلَا يَسْتَكْ بِالْعَشِيِّ فَمَا مِنْ صَائِمٍ تَيْبَسُ شَفَتَاهُ إِلَّا كَانَ ذَلِكَ نُورًا بَيْنَ عَيْنَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَعَلَّقَتْ بِالْفَمِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ لِلصَّوْمِ تَأْثِيرٌ فِي مَنْعِهَا كَالْمُبَالَغَةِ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَلِأَنَّهَا رَائِحَةٌ تَوَلَّدَتْ مِنْ عِبَادَةٍ، فَجَازَ أَنْ يُكْرَهَ قَطْعُهَا أَصْلُهُ غَسْلُ دَمِ الشَّهِيدِ، فَأَمَّا خَبَرُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ وَعَائِشَةَ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا قَبْلَ الزَّوَالِ بِدَلِيلِ مَا رَوَيْنَا، وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَغَيْرُ ثَابِتٍ عَلَى أنه يحمل على الجواز وإخبارنا وعلى الْكَرَاهَةِ عَلَى أَنَّ خَبَرَنَا أَوْلَى لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْحَظْرَ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ التَّعْلِيلِ، وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْمَضْمَضَةِ فَالْمَعْنَى فِيهَا إِنَّهَا لَا تُزِيلُ الْخُلُوفَ، وَلَا تُقْطَعُ بِهَا الرَّائِحَةُ.

فَصْلٌ

: فَأَمَّا السِّوَاكُ بِالْعُودِ الرَّطْبِ فَقَدْ كَرِهَهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ قَالُوا: لِأَنَّهُ يَحْلِبُ الْفَمَ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا كَالْعِلْكِ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وأبو حنيفة وَالْفُقَهَاءُ إِلَى جَوَازِهِ بِالْعُودِ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ، مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ لِأَنَّ كُلَّ مَنِ اسْتُحِبَّ لَهُ السِّوَاكُ بِالْعُودِ الْيَابِسِ اسْتُحِبَّ لَهُ السِّوَاكُ بِالْعُودِ الرَّطْبِ، كَغَيْرِ الصَّائِمِ، وَلِأَنَّ رُطُوبَةَ الْعُودِ لَيْسَ بِأَكْثَرَ مِنْ رُطُوبَةِ الْمَاءِ فِي الْمَضْمَضَةِ ثُمَّ لَمْ يُمْنَعِ الصَّائِمُ مِنْهَا، كَذَلِكَ مِنْ رُطُوبَةِ الْعُودِ فَأَمَّا الْعِلْكُ، فَإِنَّمَا كَرِهْنَاهُ لِأَنَّهُ يدعوا لقيء وَيُورِثُ الْعَطَشَ، وَيَحْلِبُ الْفَمَ وَهَذِهِ الْأَوْصَافُ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِي الْعُودِ الرَّطْبِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يُكْرَهُ والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>