للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَطَوُّعُ " أَيْضًا وَلِأَنَّ كُلَّ مَا وَجَبَ فِيهِ المضي بالنذر وجب المضي فيه بالفعل كالحرج وَاسْتَدَلَّ عَلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ عِنْدَ فَقْدِ الْإِتْمَامِ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا أَفْطَرَتَا يَوْمًا تَطَوُّعًا فَقَالَتَا لِرَسُولِ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أُهْدِيَ لَنَا طَعَامٌ فَاشْتَهَيْنَا فَأَفْطَرْنَا فَقَالَ: " لَا عَلَيْكُمَا اقْضِيَا يَوْمًا مَكَانَهُ " قَالَ: وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ انْعَقَدَتْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي افْتَتَحَهَا، فَوَجَبَ إِذَا أَفْسَدَهَا أَنْ يَلْزَمَهُ قَضَاؤُهَا كَالْحَجِّ، وَقَوْلُهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي افْتَتَحَهَا احْتِرَازًا مِمَّنْ أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا، أَوْ أَحْرَمَ بِصَلَاةٍ فَائِتَةٍ ثُمَّ بَانَ لَهُ أَدَاؤُهَا فَلَهُ الْخُرُوجُ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ الْإِتْمَامِ، وَلِأَنَّهَا لَمْ تَنْعَقِدْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي افْتَتَحَهَا عَلَيْهِ، وَهَذَا خَطَأٌ، وَالدَّلَالَةُ عَلَى جَوَازِ الْخُرُوجِ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ إِتْمَامِهِ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي أَوَّلِ الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقُلْتُ خَبَّأْنَا لَكَ حَيْسًا فَقَالَ أَمَا إِنِّي كُنْتُ أُرِيدُ الصَوْمَ وَلَكِنْ قَرِّبِيهِ فَإِنْ قِيلَ فَقَوْلُهُ: أُرِيدُ الصَوْمَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ صَائِمٌ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ إِرَادَةٍ يُحْدِثُهَا، قِيلَ قد أخر أَنَّهُ أَرَادَ الصَّوْمَ، فِيمَا مَضَى وَمَنْ أَرَادَ الصَّوْمَ فِيمَا مَضَى كَانَ صَائِمًا فِي الْحَالِ عَلَى أَنَّا رُوِّينَا عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: " كُنْتُ أصبحت صائماً ولكن قريبه " وروى شعبة عن جعدة عن أم هانئ وَهِيَ جَدَّتُهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمَ الْفَتْحِ فَأَتَى بِإِنَاءٍ مِنْ لبن فشرب ثم ناولني، فقلت إن صائمة فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنَّ الْمُتَطَوِّعَ أَمِيرُ نَفْسِهِ فَإِنْ شِئْتِ فَصُومِي، وَإِنْ شِئْتِ فَأَفْطِرِي " وَرُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طعامٍ وَهُوَ صَائِمٌ تَطَوُّعًا فَلْيُفْطِرْ فَإِنَّ ذَلِكَ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ يَخْرُجُ بِالْفَسَادِ مِنْهَا فَوَجَبَ أَنْ لَا يُلْزِمَهُ بِالدُّخُولِ فِيهَا كَالِاعْتِكَافِ، أَوْ كَمَنْ أَحْرَمَ بِصَلَاةِ فَرِيضَةٍ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا، وَالدَّلَالَةُ عَلَى سُقُوطِ الْقَضَاءِ مَا رُوِيَ عَنْ أم هانئ قَالَتْ لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ جَاءَتِ الْوَلِيدَةُ بِإِنَاءٍ فِيهِ شَرَابٌ فَنَاوَلَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَشَرِبَ مِنْهُ ثَمَّ نَاوَلَنِي فَشَرِبْتُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَفْطَرْتُ وَكُنْتُ صَائِمَةً وَكَرِهْتُ أَنْ أَرُدَّ سُؤْرَكَ فقال: " إن كان فرضاً فاقض يَوْمًا مَكَانَهُ وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَإِنْ شِئْتِ فَاقْضِي وَإِنْ شِئْتِ فَلَا تَقْضِي " وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ يَخْرُجُ بِالْفَسَادِ مِنْهَا فَوَجَبَ إِذَا تَطَوَّعَ بِالدُّخُولِ فِيهَا ثُمَّ أَفْسَدَهَا لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ كَالطَّهَارَةِ، وَالِاعْتِكَافِ فَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ بِحَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ فَمَعْنَاهُ إِلَّا أن تتطوع، فيكون ذلك أَنْ تَفْعَلَ ذَلِكَ وَأَمَّا قِيَاسُهُ عَلَى الْحَجِّ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنَ الْحَجِّ بِالْفَسَادِ، وَيَخْرُجُ مِنْ غَيْرِهِ بالفساد.

<<  <  ج: ص:  >  >>