للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِيهِ مُعْتَكِفٌ مُنِعَ مِنْ صُعُودِهَا، فَإِنْ خَرَجَ إِلَيْهَا، وَصَعَدَهَا بَطَلَ اعْتِكَافُهُ وَإِنْ كَانَتْ لِلْمَسْجِدِ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يُمْنَعُ مِنَ الْخُرُوجِ إِلَيْهَا فَإِنْ خَرَجَ إِلَيْهَا بَطَلَ اعْتِكَافُهُ، لِأَنَّهُ لَوْ خَرَجَ إِلَى مَوْضِعِ الْمَنَارَةِ لِلصَّلَاةِ عَلَى جِنَازَةٍ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ، فَكَذَلِكَ إِذَا خَرَجَ لِلْأَذَانِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ: إِنَّ لَهُ الْخُرُوجَ إِلَيْهَا، وَلَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ لِأَنَّهَا مِنْ حُقُوقِ الْمَسْجِدِ، وَإِنْ كَانَتْ خَارِجَةً كَالرِّحَابِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[مسألة:]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَأَكْرَهُ الْأَذَانَ بِالصَّلَاةِ لِلْوُلَاةِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا: فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَرَادَ كَرَاهَةَ قَوْلِهِ فِي أَذَانِهِ حَيَّ عَلَى الْفَلَّاحِ أَيُّهَا الْأَمِيرُ، فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُعْتَكِفِ، وَغَيْرِهِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الزِّيَادَةِ فَإِنْ فَعَلَ الْمُعْتَكِفُ ذَلِكَ فَقَدْ أَسَاءَ، وَهُوَ عَلَى اعْتِكَافِهِ وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: إِنَّمَا أَرَادَ بِهِ إِذَا فَرَغَ مِنْ أَذَانِهِ أَنْ لَا يَخْرُجَ إِلَى بَابِ الْوَالِي، فَيَقُولُ الصَّلَاةَ أَيُّهَا الْأَمِيرُ، وَهَذَا ذَكَرَهُ لِلْمُعْتَكِفِ دُونَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ بِلَالًا قَدْ كَانَ يُؤَذِّنُ أَذَانًا عَامًّا، ثُمَّ يَقْصِدُ حُجْرَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَيَخُصُّهُ بِإِعْلَامِ الصَّلَاةِ، فَدَلَّ عَلَى جَوَازِهِ لِغَيْرِ الْمُعْتَكِفِ، فَأَمَّا الْمُعْتَكِفُ فَإِنْ فَعَلَ هَذَا بَطَلَ اعتكافه، لأجل خروجه.

[مسألة:]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ شهادةٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يُجِيبَ، فَإِنْ فَعَلَ خَرَجَ مِنَ اعْتِكَافِهِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَنَظَائِرُهَا مُصَوَّرَةٌ فِي اعْتِكَافٍ وَجَبَ متتابعاً، فإذا اعتكف الشاهد، ثم دعي للإقامة الشَّهَادَةِ، فَلَهُ حَالَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ إِقَامَتُهَا لِوُجُودِ غَيْرِهِ مِنَ الشُّهُودِ فَهَذَا مَمْنُوعٌ مِنَ الْخُرُوجِ، فَإِنْ خَرَجَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ وَلَزِمَهُ اسْتِئْنَافُهُ

وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ إِقَامَةُ الشَّهَادَةِ لِعَدَمِ غَيْرِهِ مِنَ الشُّهُودِ، فَهَذَا مأمورهم بِالْخُرُوجِ، لِإِقَامَتِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأقِيمُوا الشَّهَادَةِ للهِ) {الطلاق: ٢) فَإِذَا خَرَجَ لَمْ يَخْلُ حَالُهُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ تَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ مُضْطَرًّا، أَوْ مُخْتَارًا، فَإِنْ تَحَمَّلَهَا مُخْتَارًا بَطَلَ اعْتِكَافُهُ بِخُرُوجِهِ، لِأَنَّ فِي اخْتِيَارِهِ لِلتَّحَمُّلِ اخْتِيَارًا لِلْخُرُوجِ وَقْتَ الْأَدَاءِ وَإِنْ تَحَمَّلَهَا مُضْطَرًا لِعَدَمِ غَيْرِهِ لَمْ يَبْطُلِ اعْتِكَافُهُ بِخُرُوجِهِ فَإِذَا أَعَادَ بَنَى عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ خَرَجَ لِأَمْرٍ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فِي الطَّرَفَيْنِ، بِلَا اخْتِيَارٍ مِنْهُ، فَصَارَ كَالْخَارِجِ لِلْغَائِطِ وَالْبَوْلِ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا الْبَصْرِيُّونَ فِيهَا وجهان:

<<  <  ج: ص:  >  >>