للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي ثُلُثِهِ، لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهَا، وَبَيْنَ مَا هُوَ فِي الثُّلُثِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ أَنْ تَكُونَ الْحَجَّةُ فِي الثُّلُثِ، وَهَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ لَا يُوجِبُ اشْتِرَاكَهُمَا فِي الْحُكْمِ.

وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يُوصِيَ بِإِخْرَاجِهَا مُفْرَدَةً، وَلَا يُوصِيَ مَعَهَا بِشَيْءٍ سِوَاهَا فَمَذْهَبُ سَائِرِ أَصْحَابِنَا، وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَعَهُمْ أَنَّهَا مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا تَكُونُ فِي الثُّلُثِ لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ إِخْرَاجَهَا مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، لَأَمْسَكَ عَنِ الْوَصِيَّةِ بِهَا وَهَذَا أَضْعَفُ مِنْ قَوْلِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِهَا لَا تَدُلُّ عَلَى إِخْرَاجِهَا مِنَ الثُّلُثِ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ بِهِ إِذْكَارُ وَرَثَتِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

مَسْأَلَةٌ

: قال الشافعي رضي الله عنه: " ويستأجر عَنْهُ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِأَقَلَّ مَا يُؤَجِّرُ مِنْ مِيقَاتِهِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا جَوَازَ الْإِجَارَةِ فِي الْحَجِّ وَسَنَدُلُّ عَلَيْهِ فِي بَابِهِ، وَنَذْكُرُ خِلَافَ أبي حنيفة وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَفْعَالَ الَّتِي تُفْعَلُ عَنِ الْغَيْرِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: مَا يَجُوزُ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِهِ عَنِ الْغَيْرِ، وَيَعُودُ ثَوَابُهُ إِلَيْهِ فَلَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِي جَوَازِ فِعْلِهِ بِإِجَارَةٍ لَازِمَةٍ، وَجَعَالَةٍ وَمَعُونَةٍ كَالْحَجِّ وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ، وَبِنَاءِ الْقَنَاطِرِ، وَكَتْبِ الْمَصَاحِفِ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِهِ الْغَيْرُ عَنِ الْغَيْرِ، فَإِنْ فُعِلَ عَادَ ثَوَابُهُ إِلَى الْفَاعِلِ، فَلَا يَجُوزُ فِعْلُهُ بِإِجَارَةٍ، وَلَا جَعَالَةٍ كَالطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِهِ عَنِ الْغَيْرِ لَكِنْ إِنْ فَعَلَ عَنِ الْغَيْرِ عَادَ إِلَيْهِ نَفْعُهُ، فَلَا يَجُوزُ فِعْلُهُ بِإِجَارَةٍ لَازِمَةٍ، وَيَجُوزُ فِعْلُهُ بِرِزْقٍ وَجَعَالَةٍ كَالْجِهَادِ، وَالْأَذَانِ وَالْقَضَاءِ وَالْإِمَامَةِ.

فَصْلٌ

: وَإِذَا وَجَبَ الْحَجُّ فِي مال اسْتُؤْجِرَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ مِيقَاتِ بَلَدِهِ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ، وَهُوَ الْقَدْرُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ فَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى هَذَا فَلَا تَجُوزُ إِلَّا بِوَصِيَّةٍ فِي الثُّلُثِ، لِأَنَّ أَوَّلَ أَفْعَالِ الْحَجِّ مِنَ الْمِيقَاتِ، وَمَا قَبْلَهُ مَسَافَةٌ يُتَوَصَّلُ بِهَا إِلَيْهِ، كَمَا يُتَوَصَّلُ إِلَى الطَّهَارَةِ بطل بالماء وَإِلَى الصَّلَاةِ، بِالِاجْتِهَادِ فِي الْقِبْلَةِ وَالْوَقْتِ، وَلَيْسَ ذلك من أفعال الطهارة والصلاة.

[مسألة]

: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَا يَحُجُّ عَنْهُ إِلَّا مَنْ قَدْ أَدَّى الْفَرْضَ مَرَّةً فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَجَّ فَهِيَ عَنْهُ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يُلَبِّي عَنْ فُلَانٍ فَقَالَ لَهُ " إِنَ كُنْتَ حَجَجْتَ فَلَبِّ عَنْهُ وَإِلَّا فاحجج عن نفسك " وعن ابن عباس أنه سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>