للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَأَزْوَاجُهُ وَأَصْحَابُهُ قَادِرِينَ إِلَى سَنَةِ عَشْرٍ ثُمَّ حَجُّوا، فَإِنْ قِيلَ فَرِيضَةُ الْحَجِّ نَزَلَتْ سَنَةَ عَشْرٍ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى: {وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ منِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) {آل عمران: ٩٧) نَزَلَتْ سَنَةَ تِسْعٍ، وَقِيلَ سَنَةَ عَشْرٍ فَبَادَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى الْحَجِّ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ قِيلَ: الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ فَرِيضَةَ الْحَجِّ نَزَلَتْ سَنَةَ سِتٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَحْرَمَ فِيهَا بِالْعُمْرَةِ، وَهِيَ عَامُ الْحُدَيْبِيَةِ فَأُحْصِرَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَتِّمُوا الحَجَّ والْعُمْرَةَ للهِ فَإنْ أحصْرِتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ) {البقرة: ١٩٦) فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِإِتْمَامِ الْحَجِّ، ولم يأمرهم أن يبتدوا حَجًّا قِيلَ: فَقَدْ يُرَادُ بِالْإِتْمَامِ الْبِنَاءُ تَارَةً وَالِابْتِدَاءُ تَارَةً عَلَى أَنَّهُمْ فِي عَامِ الْحُدَيْبِيَةِ كَانُوا قَدْ أَحْرَمُوا بِعُمْرَةٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْمَرَ بِإِتْمَامِ الْعِبَادَةِ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ فِيهَا فَعُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ إِنْشَاءَهَا، وَابْتِدَاءَهَا.

وَرُوِيَ أَنَّ ضمام بن ثعلة، وَفَدَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَنَةَ خَمْسٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَسَأَلَهُ عَنْ أَشْيَاءَ فَكَانَ مِمَّا سَأَلَهُ أَنْ قَالَ: اللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تَحُجَّ هَذَا الْبَيْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ فَدَلَّ مَا ذَكَرْنَاهُ عَلَى أَنَّ فَرِيضَةَ الْحَجِّ نَزَلَتْ قَبْلَ سَنَةَ عَشْرٍ، وَلَا يُنْكِرُ نُزُولُ قَوْله تَعَالَى: {وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ) {آل عمران: ٩٧) سنة تسع، أو عشر عَلَى وَجْهِ تَأْكِيدِ الْوُجُوبِ، فَإِنْ قِيلَ: فَرْضُ الْحَجِّ إِنَّمَا اسْتَقَرَّ سَنَةَ عَشْرٍ بَعْدَ أَنْ تَقَدَّمَ وُجُوبُهُ سَنَةَ سِتٍّ بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ فِي حَجِّهِ سَنَةَ عشرٍ: أَلَا إِنَّ الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السموات وَالْأَرْضَ قِيلَ: فِي مُرَادِهِ بِهَذَا الْقَوْلِ تَأْوِيلَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَرَادَ حُصُولَ الْحَجِّ فِي ذِي الْحِجَّةِ، لِأَنَّهُمْ رُبَّمَا كَانُوا قَدَّمُوهُ إِلَى ذِي الْقَعْدَةِ، وَرُبَّمَا أَخَّرُوهُ إِلَى الْمُحَرَّمِ.

وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي: أَنَّهُ أَرَادَ تَحْرِيمَ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ عَادَ تَحْرِيمُهُ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، بَعْدَ أَنْ كَانَ مُبَاحًا، فَإِنْ قِيلَ: إِنَّمَا أَخَّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْحَجَّ إِلَى سَنَةِ عَشْرٍ، لِاشْتِغَالِهِ بِالْحَرْبِ، وَخَوْفِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، قِيلَ: مَا نُقِلَ إِلَيْنَا مِنْ سِيرَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تَدْفَعُ هَذَا التَّأْوِيلَ، وَذَاكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أُحْصِرَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي سَنَةِ سِتٍّ فَأَحَلَّ ثُمَّ صَالَحَ أَهْلَ مَكَّةَ، عَلَى أَنْ يَقْضِيَ الْعُمْرَةَ سَنَةَ سَبْعٍ وَيُقِيمَ بِمَكَّةَ ثَلَاثًا فَقَضَاهَا سَنَةَ تِسْعٍ، وَلِهَذَا سُمِّيَتْ عُمْرَةَ الْقَضِيَّةِ ثُمَّ فَتَحَ مَكَّةَ سَنَةَ ثَمَانٍ، فَصَارَتْ دَارَ الْإِسْلَامِ، وَأَمَرَ عَتَّابَ بْنَ أُسَيْدٍ فَحَجَّ فِيهَا بِالنَّاسِ، ثُمَّ بَعَثَ أَبَا بَكْرٍ سَنَةَ تِسْعٍ فَحَجَّ بِالنَّاسِ وَتَخَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، غَيْرَ مَشْغُولٍ بحربٍ وَلَا خَايِفٍ مِنْ عَدُوٍّ، ثُمَّ أَنْفَذَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ بَعْدَ نُفُوذِ أَبِي بَكْرٍ، يَأْمُرُهُ بِقِرَاءَةِ سُورَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>