للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: أن إتمامها أَنْ يُفْعَلَا عَلَى التَّمَامِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَإذِ ابْتَلَى إبْرَاهِيمَ رَبّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمهُنَّ) {البقرة: ١٢٤) أَيْ فَعَلَهُنَّ تَامَّاتٍ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَالَا: إِتْمَامُهُمَا أَنْ تُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِكَ أَنَّهُ أُمِرَ بِالْإِتْمَامِ، وَحَقِيقَةُ الْبِنَاءِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ إِتْمَامُ الْعُمْرَةِ وَاجِبًا وَإِتْمَامُهَا لَا يُتَوَصَّلُ إِلَيْهِ إِلَّا بِابْتِدَاءِ الدُّخُولِ فِيهَا، وَمَا لَا يُتَوَصَّلُ إِلَى الْوَاجِبِ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ، كَاسْتِقَاءِ الْمَاءِ لِلطَّهَارَةِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنَ السُّنَّةِ مَا رَوَى يَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ عَنِ ابن عُمَرَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْإِسْلَامُ فَقَالَ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رسول اللَّهِ وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَتَصُومَ شَهْرَ رَمَضَانَ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ، وَتَعْتَمِرَ وَتَغْتَسِلَ مِنَ الْجَنَابَةِ، وَتُتِمُّ الْوُضُوءَ قَالَ: فَإِذَا فَعَلْتُ هَذَا فَأَنَا مُسْلِمٌ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: صَدَقْتَ فَجَعَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْعُمْرَةَ مِنَ الْإِسْلَامِ، وَقَرَنَهَا بِالْوَاجِبَاتِ وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعَلَى النَّسَاءِ جهادٌ، فَقَالَ عَلَيْهِنَّ جهادٌ، لَا قِتَالَ فِيهِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فَرِيضَتَانِ لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِمَا بَدَأْتَ وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَفْتَقِرُ إِلَى الطَّوَافِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِهَا مَا هُوَ وَاجِبٌ بِأَصْلِ الشَّرْعِ كَالْحَجِّ، وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَجِبُ فِي إِفْسَادِهَا الْكَفَّارَةُ فَوَجَبَ أَنْ تَتَنَوَّعَ فَرْضًا وَنَفْلًا كَالصَّوْمِ، وَالْحَجِّ.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَأَةَ فَلَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ رُوِيَ عَمَّنْ سَمِعَ وَعَمَّنْ لَمْ يَسْمَعْ عَلَى أَنَّهُ إِنْ صَحَّ، حُمِلَ عَلَى سَائِلٍ سَأَلَ عَنْ عُمْرَةٍ ثَانِيَةٍ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: الْحَجُّ جهادٌ وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ فَحَدِيثٌ مُرْسَلٌ لِأَنَّ أَبَا صَالِحٍ الْحَنَفِيَّ تَابِعِيٌّ عَلَى أَنَّهُ شَبَّهَ الْحَجَّ بِالْجِهَادِ لِعِظَمِ مَشَقَّتِهِ وَثَوَابِهِ، وَالْعُمْرَةَ بِالتَّطَوُّعِ لِقِلَّةِ مَشَقَّتِهَا، وَإِنَّ ثَوَابَ الْحَجِّ أَكْثَرُ مِنْ ثَوَابِهَا، وَكَذَا الْجَوَابُ عَمَّا رُوِيَ، أَنَّهُ قَالَ: مَنْ حَجَّ فَكَأَنَّمَا صَلَّى الْفَرِيضَةَ وَمَنِ اعْتَمَرَ فَكَأَنَّمَا صَلَّى النَّافِلَةَ فَجَعَلَ الْعُمْرَةَ كَالنَّافِلَةِ فِي قِلَّةِ عَمَلِهَا، وَثَوَابِهَا، وَالْحَجَّ، كَالْفَرِيضَةِ فِي كَثْرَةِ عَمَلِهِ وَثَوَابِهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: " دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ سُقُوطُ وُجُوبِهَا بِوُجُوبِ الْحَجِّ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ الْعُمْرَةَ دَخَلَتْ فِي وَقْتِ الْحَجِّ، وَأَشْهُرِهِ، لِأَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا لَا يَرَوْنَ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، أَوْ يَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ، دَخَلَتْ فِي أَفْعَالِ الْحَجِّ فِي الْقِرَانِ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الطَّوَافِ فَلَيْسَ طواف القدوم، ونسك بِذَاتِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ جُمْلَةِ نُسُكٍ كَمَا أَنَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ لَيْسَ بِصَلَاةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ من

<<  <  ج: ص:  >  >>