للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً فَتَأَسَّفَ عَلَى فَوَاتِ الْعُمْرَةِ، وَهُوَ لَا يَتَأَسَّفُ إِلَّا عَلَى فَوَاتِ الْأَفْضَلِ وَهَذَا يُعَضِّدُ مَا تَقَدَّمَ.

فَصْلٌ

: وَالدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ الْإِفْرَادَ أَفْضَلُ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَفْرَدَ الْحَجَّ.

وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ، وَهُوَ صَاحِبُ الْمَنَاسِكِ وَأَحْسَنُ الْجَمَاعَةِ سِيَاقًا لَهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَحْرَمَ سَنَةَ تِسْعٍ إِحْرَامًا مَوْقُوفًا لَا بحجٍ وَلَا بعمرةٍ فَلَمَّا بَلَغَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَقَفَ يَنْتَظِرُ الْقَضَاءَ، ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَرَوَى زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ عَنْ إِهْلَالِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فقال أقرن الْحَجَّ فَأَتَاهُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فَسَأَلَهُ عَنْ إِهْلَالِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَدْ أَنْبَأْنَاكَ بِهِ فِي الْعَامِ الْأَوَّلِ فَقَالَ الرَّجُلُ: إِنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَتَانَا فَقَالَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَرَنَ فَقَالَ إِنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ كَانَ يحج عَلَى النِّسَاءِ وَهُنَّ مُكَشَّفَاتِ الرُّؤُوسِ مِنْ صِغَرِهِ وَأَنَا تَحْتَ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَمَسُّنِي لُعَابُهَا وَكُنْتُ اسْمَعُهُ يَقُولُ لَبَّيْكَ بِحَجٍّ وَرَوَى نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اسْتَعْمَلَ عَتَّابَ بْنَ أَسِيدٍ عَلَى الْحَجِّ سَنَةَ ثَمَانٍ فَأَفْرَدَ الْحَجَّ ثُمَّ اسْتَعْمَلَ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَنَةَ تِسْعٍ فَأَفْرَدَ الْحَجَّ ثُمَّ حَجَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَاسْتَخْلَفَ أَبُو بَكْرٍ عُمَرَ عَلَى الْحَجِّ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ فَأَفْرَدَ الْحَجَّ، ثُمَّ اسْتَخْلَفَهُ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ فَأَفْرَدَ الْحَجَّ ثُمَّ تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاسْتُخْلِفَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَبَعَثَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ، فَأَفْرَدَ الْحَجَّ ثُمَّ حَجَّ عُمَرُ فَأَفْرَدَ الْحَجَّ فِي تِسْعِ حِجَجٍ، ثُمَّ تُوُفِّيَ عُمَرُ، وَاسْتُخْلِفَ عُثْمَانُ، فَأَفْرَدَ الْحَجَّ فَثَبَتَ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَفْرَدُوا الْحَجَّ، وَلِأَنَّ الْمُفْرِدَ يَأْتِي بِعَمَلِ الْعِبَادَتَيْنِ عَلَى كَمَالِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخِلَّ بِشَيْءٍ مِنْهَا، فَكَانَ أَوْلَى مِنَ الْقَارِنِ الَّذِي قَدْ أَدْخَلَ إِحْدَى الْعِبَادَتَيْنِ فِي الْأُخْرَى، وَاقْتَصَرَ عَلَى عَمَلِ إِحْدَيْهِمَا وَلِأَنَّ إيقاع العشرة فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ رُخْصَةٌ، وَإِيقَاعُهَا فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ عَزِيمَةٌ لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ يَمْتَنِعُونَ مِنَ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، حَتَّى أَرْخَصَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَالْأَخْذُ بِالْعَزِيمَةِ أُولَى مِنَ الرُّخْصَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي وَقْتِ إِحْدَيْهِمَا رُخْصَةً، كَانَ فِعْلُ كُلِّ وَاحِدَةٍ منهما، في وقتها أفضل من الحج بَيْنَهُمَا فِي وَقْتِ إِحْدَيْهِمَا وَلِأَنَّ التَّمَتُّعَ وَالْقِرَانَ يَجِبُ فِيهِمَا دَمٌ، وَالدِّمَاءُ الْوَاجِبَةُ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>