للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَجِّ إِنَّمَا تَجِبُ عَلَى طَرِيقِ الْجُبْرَانِ لِلنَّقْصِ، لأنها تجب لترك مأموراً بِهِ وَلِارْتِكَابِ مَحْظُورٍ، وَلَيْسَ فِي الْحَجِّ دَمٌ يَجِبُ لِغَيْرِ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَتَى بِالْحَجِّ أَوَّلًا، ثُمَّ بِالْعُمْرَةِ آخِرًا، وَلَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ لَعَدَمِ النَّقْصَ فَإِذَا قَرَنَ بَيْنَهُمَا أَوْ أَتَى بِالْعُمْرَةِ فِي وَقْتِ الْحَجِّ، ثُمَّ حَجَّ لَزِمَهُ دَمٌ وَلَوْ عَادَ الْمُتَمَتِّعُ إِلَى مِيقَاتِ بَلَدِهِ، سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ، فَعَلِمْتَ أَنَّ ذَلِكَ لِأَجْلِ تَرْكِ الْمِيقَاتِ، وَالنَّقْصُ الْحَاصِلُ مِنْ جِهَةِ الْجَمْعِ وَالتَّمَتُّعِ فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ مَنْ رَوَى أَنَّهُ قَرَنَ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ رِوَايَةَ عَائِشَةَ وَجَابِرٍ وَابْنِ عُمَرَ أُولَى لِتَقَدُّمِ صِحَّةِ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَحُسْنِ مَسَاقِهِ لِابْتِدَاءِ الْحَدِيثِ، وَآخِرِهِ وَلِرِوَايَةِ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَفَضْلِ حِفْظِهَا عَنْهُ وَقُرْبِ ابْنِ عُمَرَ مِنْهُ.

وَالثَّانِي: أَنَّ مَعَ مَا رُوِّينَا مِنْ فِعْلِهِ قَوْلًا يَرُدُّ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ فَكَانَ أُولَى مِنْ فِعْلٍ مُجَرَّدٍ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي نَقْلِهِ، وَأَمَّا الِاسْتِعْمَالُ فَمَنْ رَوَى أَنَّهُ قَرَنَ أَرَادَ أَنَّهُ أَتَى بِالْعُمْرَةِ عُقَيْبَ الْحَجِّ، وَصَارَ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ الَّتِي يَفْعَلُ إِحْدَيْهِمَا عُقَيْبَ الْأُخْرَى، وَمَنْ رَوَى أَنَّهُ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَيَعْنِي أَنَّهُ أَهَّلَ بِالْحَجِّ فِي وَقْتٍ وَبِالْعُمْرَةِ فِي آخَرَ، فَأَدْرَجَ الرَّاوِي، وَأَضَافَ ذَلِكَ إِلَى وَقْتٍ وَاحِدٍ، كَمَا رُوِيَ أَنَّهُ نَهَى عَنِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَتَيْنِ، وَإِنَّمَا نَهَى عَنِ اسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ حَيْثُ كَانَ قِبْلَةً، وَعَنِ اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ حِينَ صَارَتْ قِبْلَةً وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَقَدْ رَوَى عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ خِلَافَ هَذَا، وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ: بِمَاذَا أَهْلَلْتَ قَالَ أَهْلَلْتُ بِالْحَجِّ وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ أَفْرَدْتُ فَتَعَارَضَتِ الرِّوَايَتَانِ، وَسَقَطَتَا وَأَمَّا قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِلصُّبَيِّ بْنِ مَعْبَدٍ هُدِيتَ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ، فَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ جَوَازَهُ فِي السُّنَّةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ زَيْدَ بْنَ صُوحَانَ وَسَلْمَانَ بْنَ رَبِيعَةَ أَنْكَرَا عَلَى الصُّبَيِّ بْنِ مَعْبَدٍ الْقِرَانَ وَقَالَا لَهَذَا أَضَلُّ مِنْ بَعِيرِ أَهْلِهِ فَأَرَادَ عُمَرُ بِمَقَالَتِهِ إِنْكَارَهُمَا وَأَعْلَمَهُمَا أَنَّهُ هُدًى لَا ضَلَالٌ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ أَنَّهُ يَتَعَجَّلُ بِقِرَانِهِ فِعْلَ عَمَلَيْنِ، فِي أَشْرَفِ الزَّمَانَيْنِ فَغَلَطٌ، لِأَنَّ فِعْلَ كُلِّ عِبَادَةٍ فِي وَقْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ جَمْعِهَا مَعَ غَيْرِهَا كَالْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَلَيْسَ وَقْتُ الْحَجِّ زَمَانًا شَرِيفًا لِلْعُمْرَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ شَرِيفٌ لِلْحَجِّ وَفِعْلُ الْعُمْرَةِ فِيهِ رُخْصَةٌ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّ فِيهِ زِيَادَةً فَقَدْ أَنْبَأْنَاهُمْ أَنَّ الدَّمَ لِجُبْرَانِ نقص، ولا نسلم لهم جوازاً كله بِحَالٍ وَقَدْ وَافَقُوا فِي الْمَكِّيِّ، إِذَا قَرَنَ أَنَّ عَلَيْهِ دَمًا، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ، وَأَنَّهُ دَمُ نَقْصٍ لَا نُسُكٍ، وَكَذَلِكَ غير المكي وأما ما رَوَى أَنَّهُ تَمَتَّعَ، فَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ تَمَتَّعَ بَيْنَ الْإِحْرَامَيْنِ، وَأَمَّا حَدِيثُ

<<  <  ج: ص:  >  >>