للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَوْتُهُ قَبْلَ دُخُولِ زَمَانِ الصَّوْمِ، كَأَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ رُجُوعِهِ إِلَى وَطَنِهِ، عَلَى قَوْلِهِ الْجَدِيدِ، أَوْ قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنْ مَكَّةَ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْقَدِيمِ فَفِيهِمَا قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الرَّبِيعُ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الدَّمَ دَيْنٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ بِتَمَتُّعِهِ قَدْ وَجَبَتِ الْكَفَّارَةُ، وَبِمَوْتِهِ قَبْلَ زَمَانِ الصَّوْمِ بِطَلَ أَنْ يَكُونَ الصَّوْمُ وَاجِبًا عَلَيْهِ فِي الْكَفَّارَةِ، فَثَبَتَ أَنَّ الدَّمَ هُوَ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ، فَيُقْضَى عَنْهُ الدَّمُ بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ بَيْعِ عَرُوضِهِ الَّتِي لَمْ يَكُنْ يَلْزَمُهُ بَيْعُهَا فِي حَيَاتِهِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي وَهُوَ أَصَحُّ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الدَّمَ بِاعْتِبَارِهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ، وَالصَّوْمُ بِمَوْتِهِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَلْزَمَهُ بعد موته لَمْ يَكُنْ لَازِمًا لَهُ فِي حَيَاتِهِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَوْتُهُ بَعْدَ دُخُولِهِ زَمَانَ الصَّوْمِ، كَأَنْ مَاتَ بَعْدَ رُجُوعِهِ إِلَى وَطَنِهِ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ، لَا يَخْتَلِفُ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الصَّوْمِ قَدِ اسْتَقَرَّ بِدُخُولِهِ زَمَانَهُ، وَالدَّمُ لَمْ يَجِبْ لِتَعَذُّرِ إِمْكَانِهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجِبْ أَنْ يُصَامَ عَنْهُ، لِأَنَّهُ النِّيَابَةُ في الصوم، لا تصح، لَكِنْ يُنْظَرُ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ إِمْكَانِ الصَّوْمِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ أَيَّامٌ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَاتَ قَبْلَ إِمْكَانِ صِيَامِهَا، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ إِمْكَانِ الصِّيَامِ، فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ بَدَلًا عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ مِنْ حِنْطَةٍ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ أَيَّامٌ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَاتَ بَعْدَ إِمْكَانِ قَضَائِهَا، وَلِرِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ أَطْعَمَ عَنْهُ وَلِيُّهُ عَنْ كُلِّ يومٍ مُدًّا "، فَلَوْ مَاتَ وَقَدْ أَمْكَنَهُ صِيَامُ بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ، لَزِمَ عَمَّا أَمْكَنَ صِيَامُهُ مُدٌّ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ عَمَّا لَمْ يَكُنْ صِيَامُهُ شَيْءٌ، فَإِذَا وَجَبَتْ هَذِهِ الْأَمْدَادُ بَدَلًا عَمَّا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنَ الصِّيَامِ، فَفِيهَا قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْوَاجِبَ أَنْ يُفَرَّقَ فِي مَسَاكِينِ الْحَرَمِ، فَإِنْ فُرِّقَ فِي مَسَاكِينِ غَيْرِ الْحَرَمِ لَمْ يُجْزِهِ، لِأَنَّهُ مَالٌ، وَجَبَ بِالْإِحْرَامِ فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَحِقَّهُ أَهْلُ الْحَرَمِ كَالدَّمِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُفَرَّقَ فِي مَسَاكِينِ الْحَرَمِ، فَإِنْ فُرِّقَ فِي غَيْرِهِمْ جَازَ، لِأَنَّ الْإِطْعَامَ بَدَلٌ مِنَ الصَّوْمِ الَّذِي لَا يَخْتَصُّ بِالْحَرَمِ دُونَ غَيْرِهِ.

[مسألة]

: قال الشافعي رضي الله عنه: " فَإِنْ لَمْ يَمُتْ وَدَخَلَ فِي الصَّوْمِ ثُمَّ وَجَدَ الْهَدْيَ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْهَدْيُ، وَإِنْ أَهْدَى فَحَسَنٌ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ إِذَا تَمَتَّعَ وَهُوَ مُعْسِرٌ فَيَدْخُلُ فِي الصَّوْمِ ثُمَّ أَيْسَرَ أَنَّهُ يَمْضِي فِي صَوْمِهِ وَيُجْزِئُهُ، وَسَوَاءٌ كان يساره في صَوْمِ الثَّلَاثَةِ، أَوْ فِي صَوْمِ السَّبْعَةِ، وَذَكَرْنَا خِلَافَ أبي حنيفة وَهَلِ الْمُرَاعَى بِإِيسَارِهِ حَالُ الْوُجُوبِ أَوْ حَالُ الْأَدَاءِ؟ فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ.

[مسألة]

: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَحَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِينَ لَا مُتْعَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>