للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِمْ مَنْ كَانَ أَهْلُهُ دُونَ لَيْلَتَيْنِ وَهُوَ حينئذٍ أَقْرَبُ الْمَوَاقِيتِ وَمَنْ سَافَرَ إِلَيْهِ صَلَى صلاة الْحَضَرِ وَمِنْهُ يَرْجِعُ مَنْ لَمْ يَكُنْ آخِرُ عَهْدِهِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ حَتَّى يَطُوفَ فَإِنْ جَاوَزَ ذَلِكَ إِلَى أَنْ يَصِيرَ مُسَافِرًا أَجْزَأَهُ دَمٌ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ أَهْلَ الْحَرَمِ وَحَاضِرِيهِ لَا دَمَ عَلَيْهِمْ فِي مُتَعِهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) {البقرة: ١٩٦) فَاسْتَثْنَى أَهْلَ الْحَرَمِ وَحَاضِرِيهِ فِي سُقُوطِ الدَّمِ عَنْهُمْ إِذَا تَمَتَّعُوا، وَهُمْ كَغَيْرِهِمْ فِي أَخْذِ التَّمَتُّعِ لَهُمْ، وَقَالَ أبو حنيفة: إِنَّمَا اسْتَثْنَاهُمْ فِي أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُمْ إِذَا تَمَتَّعُوا، وَهُمْ كَغَيْرِهِمْ فِي وُجُوبِ الدَّمِ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ مَعَ أبي حنيفة، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعْرِفَةُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَلِلْعُلَمَاءِ فِيهِمْ أَرْبَعَةِ مَذَاهِبَ:

أَحَدُهَا وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ: أَنَّ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مَنْ كَانَ مِنْ جَوَانِبِ الْحَرَمِ عَلَى مَسَافَةٍ لَا يُقْصَرُ فِي مِثْلِهَا الصَّلَاةُ، وَقَدْرُهُ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا، وَهُوَ بِسَيْرِ النَّقَلِ وَدَبِيبِ الْقَدَمِ مَسَافَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ.

وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي وَهُوَ مَذْهَبُ أبي حنيفة: أَنَّهُمْ مَنْ كَانَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَوَاقِيتِ، وَبِهِ قَالَ مَكْحُولٌ.

وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُمْ أَهْلُ الْحَرَمِ، وَبِهِ قَالَ مُجَاهِدٌ.

وَالْمَذْهَبُ الرَّابِعُ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ: إِنَّهُمْ أَهْلُ مَكَّةَ وَذِي طُوًى اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أهْلُهُ حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ) {البقرة: ١٩٦) وَحَاضِرُو الشَّيْءِ مَنْ كَانُوا مُجَاوِرِينَ لَهُ وَقَرِيبًا مِنْهُ، دُونَ مَنْ كَانَ مُنْقَطِعًا عَنْهُ وَبَعِيدًا مِنْهُ، قَالَ: وَلِأَنَّ مِيقَاتَ أَهْلِ مَكَّةَ مِنْهَا، وَمِيقَاتُ مَنْ كَانَ مِنْهَا عَلَى دُونَ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مِنْ مَوْضِعِهِمْ، وَلَوْ أَحْرَمُوا مِنْ مَكَّةَ كَانَ دَمُ قِرَانِ الْمِيقَاتِ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ، فَلَوْ كَانُوا مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَأَهْلِ مَكَّةَ فِي سُقُوطِ التَّمَتُّعِ عَنْهُمْ، لَوَجَبَ أَنْ يَكُونُوا كَأَهْلِ مَكَّةَ فِي سُقُوطِ دَمِ الْمِيقَاتِ عَنْهُمْ، فَلَمَّا لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فِي الْمِيقَاتِ، لَمْ يَكُونُوا كَأَهْلِ مَكَّةَ فِي التَّمَتُّعِ، فَهَذَانِ دَلِيلَا مَالِكٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ؛ لِأَنَّ مَذْهَبَيْهِمَا يَتَدَاخَلَانِ، وَاسْتَدَلَّ أبو حنيفة بِأَنْ قَالَ: الْمِيقَاتُ محل النسك، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ أَهْلُهُ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الحرام، كأهل منى وعرفات.

قال: وَلِأَنَّ الْمَوَاقِيتَ جُعِلَتْ حَدًّا بَيْنَ مَا قَرُبَ مِنَ الْحَرَمِ، وَبَيْنَ مَا بَعُدَ عَنْهُ، فَوَجَبَ أَنْ يُحْكَمَ لِمَنْ فِيهِ وَدُونَهُ بِأَنَّهُ مِنْ حَاضِرِيهِ، وَلِمَنْ وَرَاءَهُ بِأَنَّهُ مِنْ غَيْرِ حَاضِرِيهِ.

فَصْلٌ

: وَالدَّلَالَةُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ: قَوْله تَعَالَى: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أهْلُهُ حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ) {البقرة: ١٩٦) . وَالْمُرَادُ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ: الْحَرَمُ قَالَ اللَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>