للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كُرَيْزٍ أَحْرَمَ مِنْ هَرَاةِ خُرَاسَانَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ إِنْكَارُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَعَدُّوهُ مِنْ فَضَائِلِهِ، مَعَ أَنَّهُ كَانَ وَالِيًا تُحْصَى آثَارُهُ، وَتُعَدُّ هَفَوَاتُهُ؛ وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ نُسُكٌ، وَقَطْعُ الْمَسَافَةِ طَاعَةٌ، فَكَانَ فِعْلُهُ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّ الْإِحْرَامَ مِنَ الْمِيقَاتِ أَوْلَى؛ وَبِهِ قَالَ مِنَ التَّابِعِينَ عَطَاءٌ، وَالْحَسَنُ.

وَمِنَ الْفُقَهَاءِ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَجَّ مَرَّةً وَاعْتَمَرَ ثَلَاثًا، فَأَحْرَمَ فِي جَمِيعِهَا مِنَ الْمِيقَاتِ، وَلَمْ يُحْرِمْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا قَبْلَ الْمِيقَاتِ، وَلَوْ كَانَ الْإِحْرَامُ قَبْلَ الْمِيقَاتِ أَفْضَلَ، وَهُوَ لَا يَعْدِلُ عَنِ الْأَفْضَلِ لِاخْتِيَارِهِ لنفسه ولفعله ولو مرة ينبه النَّاسَ عَلَى فَضْلِهِ، وَرُوِيَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّهُ أَحْرَمَ مِنَ الْبَصْرَةِ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَأَغْلَظَ لَهُ، وَقَالَ: يُحَدِّثُ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَحْرَمَ مِنْ مِصْرٍ مِنَ الْأَمْصَارِ، وَلِأَنَّ تَرْكَ الْإِحْرَامِ قَبْلَ الْمِيقَاتِ مُبَاحٌ، وَفِعْلَ الْمُحْرِمِ، مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنَ الطِّيبِ، وَاللِّبَاسِ، وَإِتْيَانِ النِّسَاءِ مَعْصِيَةٌ، وَهُوَ إِذَا أَحْرَمَ لَمْ يَأْمَنْ مُوَاقَعَةَ المعصية باللباس والجماع المقتضي إِلَى الْإِفْسَادِ، فَكَانَ تَرْكُ مَا هُوَ مُبَاحٌ مِنَ الْإِحْرَامِ لِأَجْلِ مَا هُوَ مَعْصِيَةٌ مِنَ اللِّبَاسِ وَالْجِمَاعِ أَوْلَى وَمِنَ الْغَرَرِ أَبْعَدُ.

مَسْأَلَةٌ

: قال الشافعي رضي الله عنه: " والمواقيت لِأَهْلِهَا، وَلِكُلِّ مَنْ يَمُرُّ بِهَا مِمَّنْ أَرَادَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً، وَأَيُّهُمْ مَرَّ بِمِيقَاتِ غَيْرِهِ، ولم يأت من بلده، كان ميقاته ذَلِكَ الْبَلَدِ الَّذِي مَرَّ بِهِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، أَمَّا قَوْلُهُ وَهَذِهِ الْمَوَاقِيتُ لِأَهْلِهَا، أَيْ لِسُكَّانِهَا وَالْمُقِيمِينَ بِهَا، كَأَهْلِ ذَاتِ عِرْقٍ، وقوله: " ولكل من يمر بِهَا يُرِيدُ مَنْ كَانَ وَرَاءَ الْمِيقَاتِ كَأَهْلِ الْعِرَاقِ إِذَا مَرُّوا بِذَاتِ عِرْقٍ "، وَقَوْلُهُ: " مِمَّنْ أَرَادَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً " يُرِيدُ أَنَّ مِيقَاتَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لِأَهْلِ الْمَوَاقِيتِ وَاحِدٌ، وَهَذِهِ جُمْلَةٌ لَيْسَ يُعرف فِيهَا مُخَالِفٌ، وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهَا رِوَايَةُ طَاوُسٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، الْخَبَرَ، إِلَى أَنْ قَالَ: " هَذِهِ الْمَوَاقِيتُ لِأَهْلِهَا وَلَكُلِّ مَنْ أَتَى عَلَيْهَا مِمَّنْ أَرَادَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً، وَمَنْ كَانَ دُونَ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ ". وَقَدْ رَوَى الشَّافِعِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مُرْسَلًا.

فَصْلٌ

: وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَأَيُّهُمْ مَرَّ بِمِيقَاتِ غَيْرِهِ وَلَمْ يَأْتِ مِنْ بَلَدِهِ، كَانَ مِيقَاتُهُ مِيقَاتَ ذَلِكَ الْبَلَدِ الَّذِي مَرَّ بِهِ، يُرِيدُ أَنَّ الْعِرَاقِيَّ إِذَا عَرَّجَ فِي طَرِيقِهِ حَتَّى مر (بذي الحليفة صَارَ فِي حُكْمِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَلَزِمَهُ الْإِحْرَامُ من ذي الحليفة، والمدني إِذَا عَرَّجَ فِي طَرِيقِهِ حَتَّى مَرَّ)

<<  <  ج: ص:  >  >>