للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَاهْدِ وَامْكُثْ حَرَامًا كَمَا أَنْتَ قَالَ: فَأَهْدَى لَهُ عَلِيٌّ هَدْيًا، فَدَلَّ هَذَا عَلَى جَوَازِ الْإِحْرَامِ الْمَوْقُوفِ، وَلِأَنَّ مَنْ أَحْرَمَ عَنْ غَيْرِهِ ولم يكن قد حرم عَنْ نَفْسِهِ فَإِنَّ إِحْرَامَهُ يَصِيرُ عَنْ نَفْسِهِ وَلَوْ أَحْرَمَ تَطَوُّعًا، أَوْ نَذْرًا، وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ، كَانَتْ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، فَثَبَتَ أَنَّ الْإِحْرَامَ يَنْعَقِدُ بِاعْتِقَادِهِ، وَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِنُسُكٍ، لِأَنَّهُ قَدْ يَنْوِي مَا لَا يَحْصُلُ لَهُ، وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ خَالَفَ الصَّلَاةَ.

فَصْلٌ

: فَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُ الْإِحْرَامِ الْمَوْقُوفِ، فَهُوَ جَائِزٌ فِي شُهُورِ الْحَجِّ فِي الزَّمَانِ الَّذِي يَكُونُ مُخَيَّرًا فِيهِ مِنْ نُسُكَيِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، لِيَصْرِفَ إِحْرَامَهُ الْمَوْقُوفَ إِلَى مَا يَشَاءُ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، فَأَمَّا فِي غَيْرِ شُهُورِ الْحَجِّ فَلَا يَصِحُّ الْإِحْرَامُ الْمَوْقُوفُ، لِأَنَّهُ زَمَانٌ لَا يَصْلُحُ لِغَيْرِ الْعُمْرَةِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الْإِحْرَامُ مَوْقُوفًا عَلَى غَيْرِ الْعُمْرَةِ، وَيَصِيرُ الْإِحْرَامُ الْمَوْقُوفُ مُنْعَقِدًا بِالْعُمْرَةِ، وَإِذَا صَحَّ الْإِحْرَامُ الْمَوْقُوفُ فِي شَهْرِ الْحَجِّ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا، هَلِ الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ إِحْرَامُهُ مَوْقُوفًا، لِيَصْرِفَهُ فِيمَا بَعْدُ إِلَى مَا شَاءَ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ؟ أَوْ يَكُونُ مُعَيَّنًا بِنُسُكٍ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ؟ عَلَى مَذْهَبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَوْقُوفَ أَوْلَى، لِأَنَّهُ فِعْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَصْحَابِهِ، وَلِأَنَّهُ أَحْرَى أَنْ يَقْدِرَ عَلَى صَرْفِهِ إِلَى مَا يَخَافُ فَوْتَهُ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ الْوَقْتُ وَاسِعًا، أَمْكَنَهُ تَقْدِيمُ الْعُمْرَةِ وَإِدْرَاكُ الْحَجِّ وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا قدم الحج، لأن لا يَفُوتَهُ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ.

الْمَذْهَبُ الثَّانِي: أَنَّ الْإِحْرَامَ الْمُعَيَّنَ أَوْلَى، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، لِرِوَايَةِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بالمدينة لسبع سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَانْطَلَقْنَا لَا نَعْرِفُ إِلَّا الْحَجَّ لَهُ خَرَجْنَا ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَيْنَ أَظْهُرِنَا يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَهُوَ يَفْعَلُ مَا أُمِرَ بِهِ، فَقَدِمْنَا مَكَّةَ، فَلَمَّا طَافَ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالْبَيْتِ، وَالصَّفَا، وَالْمَرْوَةِ قَالَ: " مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً، فَلَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً ". فَدَلَّ عَلَى أَنَّ إِحْرَامَهُمْ كَانَ مَعْنِيًّا بِالْحَجِّ، وَلِأَنَّهُ إِذَا عَيَّنَهُ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ كَانَ مَاضِيًا فِي نُسُكِهِ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ كان منظراً لَهُ، وَالدَّاخِلُ فِي نُسُكِهِ أَوْلَى مِنَ الْمُنْتَظِرِ لَهُ، فَلَوْ نَوَى إِحْرَامًا مَوْقُوفًا لَزِمَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ إِلَى حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، فَلَوْ طَافَ وَسَعَى قَبْلَ أَنْ يَصْرِفَهُ إِلَى حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، لَمْ يُجْزِهِ عَنْ حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا فِي أَحَدِهِمَا.

فَصْلٌ

: فَإِذَا أَحْرَمَ إِحْرَامًا مُعَيَّنًا لِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، أَوْ أَحْرَمَ مَوْقُوفًا، ثُمَّ صَرَفَهُ إِلَى حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، فَهَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ إِظْهَارُ مَا أحرم فِي تَلْبِيَتِهِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْأَوْلَى إِظْهَارُهُ فِي تَلْبِيَتِهِ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ بِحَجٍّ، إِنْ كَانَ مُفْرِدًا، أَوْ بِعُمْرَةٍ إِنْ كَانَ مُعْتَمِرًا، أَوْ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ إِنْ كَانَ قَارِنَا، لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>