للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: الْبُثُورُ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ.

وَالثَّانِي: الصُّدَاعُ. وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، فَأَوْجَبَ الْفِدْيَةَ عَلَى الْمَعْذُورِ، لِيَدُلَّ أَنَّ غَيْرَ الْمَعْذُورِ بِالْفِدْيَةِ أَوْلَى. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَيَ ذَلِكَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَرَّ فِي عَامِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَأَنَا أَرْقُدُ تَحْتَ بدنةٍ لِي، وَالْقَمْلُ يَتَهَافَتْ عَلَيَّ، فَقَالَ: يَا كَعْبُ أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: احْلِقْ ثُمَّ انْسُكْ نَسِيكَةً، أَوْ أَطْعِمْ ثَلَاثَةَ أصُعٍ سِتَّةً مِنَ الْمَسَاكِينِ، أَوْ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ". فَكَانَ هَذَا الْحَدِيثُ مُعَاضِدًا لِلْآيَةِ فِي جَوَازِ الْحَلْقِ وَوُجُوبِ الْفِدْيَةِ وَمُفَسِّرًا لِمَا فِيهَا مِنْ إِجْمَالِ الْفِدْيَةِ فَإِنْ حَلَقَ مِرَارًا، كَانَ كَمَا لَوْ لَبِسَ مِرَارًا أَوْ تَطَيَّبَ مِرَارًا فيكون على ما مضى.

[مسألة]

: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنْ تَطَيَّبَ نَاسِيًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ تطيب عامداً فعليه الفدية والفرق في المتطيب بين الجاهل والعالم أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أمر الأعرابي وقد أحرم وعليه خلوق بنزع الجبة وغسل الصفرة ولم يأمره في الخبر بفديةٍ (قال المزني) في هذا دليل أن ليس عليه فدية إذا لم يكن في الخبر وهكذا روي فِي الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في الصائم يقع على امرأته فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أعتق وافعل " ولم يذكر أن عليه القضاء وأجمعوا أن عليه القضاء ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهُوَ كَمَا قَالَ إِذَا فَعَلَ الْمُحْرِمُ مَا نُهِيَ عَنْهُ، فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ:

أَحَدُهَا: مَا اسْتَوَى حُكْمُ عَامِدِهِ وَنَاسِيهِ فِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ فِيهِ.

وَالثَّانِي: مَا اخْتَلَفَ حُكْمُ عَامِدِهِ وَنَاسِيهِ.

وَالثَّالِثُ: مَا اخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِيهِ.

فَأَمَّا الضَّرْبُ الْأَوَّلُ الَّذِي يَسْتَوِي حُكْمُ الْعَامِدِ فِيهِ وَالنَّاسِي: فَهُوَ مَا كَانَ إِتْلَافًا كَحَلْقِ الشَّعْرِ، وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ، وَقَتْلِ الصَّيْدِ. وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي الَّذِي يَخْتَلِفُ فِيهِ حُكْمُ الْعَامِدِ وَالنَّاسِي: فَهُوَ مَا كَانَ اسْتِمْتَاعًا سِوَى الْوَطْءِ، كَالطِّيبِ، وَاللِّبَاسِ، وَتَغْطِيَةِ الرَّأْسِ. فَإِنْ كَانَ عَامِدًا، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ ذَاكِرًا لِلْإِحْرَامِ، جَاهِلًا بِالتَّحْرِيمِ، فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ.

وَقَالَ أبو حنيفة، وَمَالِكٌ، وَالْمُزَنِيُّ: النَّاسِي كَالْعَامِدِ، وَالْجَاهِلُ بِالتَّحْرِيمِ كالعالم، في وجوب الفدية عليه، اسْتِدْلَالًا بِأَنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ تَجِبُ الْفِدْيَةُ بِعَمْدِهِ فَوَجَبَ أَنْ تَجِبَ بِسَهْوِهِ كَالْوَطْءِ وَلِأَنَّهُ مَعْنًى يَمْنَعُ مِنَ الْإِحْرَامِ؛ فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَ حُكْمُ عَمْدِهِ وسهوه، كالحلق،

<<  <  ج: ص:  >  >>