للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّ النَّاسِيَ مَعْذُورٌ، وَالْعُذْرُ لَا يُسْقِطُ الْفِدْيَةَ كَالْمُضْطَرِّ.

قِيلَ: هَذَا غَلَطٌ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ قَدْ فَرَّقَ بَيْنَ عُذْرِ النَّاسِي وَعُذْرِ الْمُضْطَرِّ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْآكِلَ فِي الصَّوْمِ ناسياً، معذور ولا قضاء عليه، الآكل فِي الصَّوْمِ مُضْطَرًّا فِي الصَّوْمِ مَعْذُورٌ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ.

وَأَمَّا الضَّرْبُ الَّذِي اخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِيهِ، فَهُوَ الْوَطْءُ، وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

فَصْلٌ

: فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ النَّاسِيَ فِي الطِّيبِ واللباس لا فدية فيه وَأَنَّ الْعَامِدَ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَلِيلِ الزَّمَانِ وَكَثِيرِهِ فِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ فِيهِ. وقال أبو حنيفة: اسْتَدَامَ اللِّبَاسَ جَمِيعَ النَّهَارِ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَإِنْ لم يسند به جَمِيعَ النَّهَارِ فَلَا فِدْيَةَ وَقَالَ أبو يوسف إن استدامه إن نِصْفَ النَّهَارِ فَأَكْثَرَ، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، وَإِلَّا فَلَا فدية. وهذا خطأ؛ لأن كُلَّمَا وَجَبَتِ الْفِدْيَةُ بِاسْتِدَامَتِهِ فِي النَّهَارِ كُلِّهِ، وَجَبَتِ الْفِدْيَةُ بِوِجُودِهِ فِي بَعْضِهِ كَالطِّيبِ. وَلِأَنَّ مَا حَرَّمَهُ الْإِحْرَامُ مِنَ الْأَفْعَالِ، لَمْ تَتَقَدِرْ فِدْيَتُهُ بِالزَّمَانِ، قِيَاسًا عَلَى سَائِرِ الْمَحْظُورَاتِ، وَلِأَنَّ مَا حُرِّمَ مِنْ جِهَةِ الِاسْتِمْتَاعِ، اسْتَوَى حُكْمُ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، كَالْوَطْءِ وَلِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَوَى حُكْمُ قَلِيلِ اللِّبَاسِ وَكَثِيرِهِ فِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ فِيهِ، وَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَ حُكْمُ كَثِيرِ الزَّمَانِ وَقَلِيلِهِ فِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ فِيهِ، لِأَنَّ كَثِيرَ اللِّبَاسِ فِي الزَّمَانِ الْقَلِيلِ كَقَلِيلِ اللِّبَاسِ فِي الزَّمَانِ الْكَثِيرِ.

فَصْلٌ

: فَإِذَا لَبِسَ الْمُحْرِمُ، أَوْ تَطَيَّبَ نَاسِيًا، ثُمَّ ذَكَرَ بَادَرَ إِلَى إِزَالَتِهِ عَنْ نَفْسِهِ، فَإِنْ أَزَالَهُ حِينَ ذَكَرَ. فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُزِلْهُ فِي الْحَالِ، حَتَّى تَطَاوُلَ الزَّمَانُ، فَلَهُ حَالَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يُمْكِنَهُ إِزَالَتُهُ، فَلَا يَفْعَلُ. فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، لِأَنَّ بَعْدَ الذِّكْرِ كَالْمُبْتَدِئِ. فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ لَوْ تَطَيَّبَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ، وَاسْتَدَامَهُ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ، لَمْ تَلْزَمْهُ الْفِدْيَةُ، فَهَلَّا قُلْتُمْ: إِذَا تَطَيَّبَ نَاسِيًا بَعْدَ الْإِحْرَامِ ثُمَّ اسْتَدَامَهُ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ، أن لا فدية عليه.

قلنا: لأن الطيب قَبْلَ الْإِحْرَامِ مُبَاحٌ مَعَ النِّسْيَانِ، فَلِذَلِكَ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ مَعَ الِاسْتِدَامَةِ.

وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ لَا يُمْكِنَهُ إِزَالَةُ الطِّيبِ وَاللِّبَاسِ عَنْ نَفْسِهِ، لِزَمَانَةٍ بِهِ، وَلَيْسَ يَجِدُ مَنْ يُزِيلُهُ عَنْهُ، فَلَا فدية عليه، ما كان هكذا؛ لأن أسوأ من الناسي.

فَصْلٌ

: فَإِذَا أَرَادَ الْمُحْرِمُ إِزَالَةَ مَا عَلَى جَسَدِهِ مِنَ الطِّيبِ، فَلَهُ حَالَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يُمْكِنَهُ إِزَالَتُهُ بِغَيْرِ الْمَاءِ مِنَ الْمَائِعَاتِ الطَّاهِرَاتِ، كَالْخَلِّ أَوِ الْيَابِسَاتِ كَالتُّرَابِ، وَالْحَشِيشِ. فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي إِزَالَتِهِ بَيْنَ الْمَاءِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَجِسٍ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ، إِزَالَةُ رَائِحَتِهِ فَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ أَزَالَهُ أَجْزَأَهُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُزِيلَهُ بِالْمَاءِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>