للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[مسألة]

: قال الشافعي رضي الله عنه: " ويستلم اليماني بيده ويقبلها ولا يقبله لأني لم أعلم رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه قبل إلا الحجر الأسود واستلم اليماني وأنه لم يعرج على شيءٍ دون الطواف ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي الرُّكْنِ الْيَمَانِيُّ، وَهُوَ الرَّابِعُ مِنَ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ، فَمِنَ السُّنَّةِ أَنْ يَسْتَلِمَهُ بِيَدِهِ، وَيُقَبِّلَ يَدَهُ، وَلَا يُقَبِّلَهُ.

وَقَالَ أبو حنيفة: لَيْسَ مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يَسْتَلِمَهُ وَلَا أَنْ يُقَبِّلَ يَدَهُ إِذَا اسْتَلَمَهُ، بَلْ يَمُرُّ بِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ: يَسْتَلِمُهُ، وَلَا يُقَبِّلُ يَدَهُ، وَدَلِيلُنَا رِوَايَةُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَمْ أَمُرَّ بِالرُّكْنِ إِلَّا وَعِنْدَهُ مَلَكٌ يَقُولُ يَا مُحَمَّدُ اسْتَلِمْ ".

وَرَوَى نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: كَانَ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ وَالْأَسْوَدَ فِي كُلِّ طوافٍ، ولا يستسلم الْآخَرَيْنِ اللَّذَيْنِ مِمَّا يَلِي الْحَجَرَ.

وَرَوَى عَطَاءٌ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَا مَرَرْتُ بِهَذَا الرُّكْنِ إِلَّا وَجِبْرِيلُ قَائِمٌ عِنْدَهُ يَسْتَغْفِرُ لِمَنِ اسْتَلَمَهُ بِحَقٍّ ". وَرَوَى مُجَاهِدٌ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ وَيَضَعُ خَدَّهُ عَلَيْهِ.

فَصْلٌ

: فَأَمَّا الرُّكْنَانِ الْآخَرَانِ اللَّذَانِ بَيْنَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، وَهُمَا الْعِرَاقِيُّ وَالشَّامِيُّ فَلَيْسَ مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يَسْتَلِمَهَا بَلْ يَمُرُّ بِهِمَا. وَحُكِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّهُ كَانَ يَسْتَلِمُ الْأَرْكَانَ كُلَّهَا، وَقَالَ لَا يَنْبَغِي لِبَيْتِ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْهُ مَهْجُورًا؛ وَالدَّلَالَةُ عَلَى أَنْ لَيْسَ ذَلِكَ مِنْهُ، مَا رَوَاهُ نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَسْتَلِمُ إِلَّا هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ، يَعْنِي الْيَمَانِيَّ وَالْحَجَرَ، فَمَا تَرَكْتُهُمَا مُنْذُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي شِدَّةٍ وَلَا رَخَاءٍ وَلِأَنَّ الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ وَالْيَمَانِيَّ بُنِيَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ، فَاخْتُصَّا بِالِاسْتِلَامِ، وليس ذلك كَذَلِكَ الْعِرَاقِيِّ وَالشَّامِيِّ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَيْسَ تَرْكُ اسْتِلَامِهَا دَلِيلًا عَلَى أَنَّ مِنْهُمَا مَهْجُورًا، وَكَيْفَ يهجر ما يطاف به لو كَانَ تَرْكُ اسْتِلَامِهَا مَهْجُورًا هِجْرَانًا لَهُمَا، كَانَ تَرْكُ اسْتِلَامِ مَا بَيْنَ الْأَرْكَانِ هِجْرَانًا لَهَا، فَأَمَّا تَقْبِيلُ الْيَمَانِيِّ، فَلَمْ تَرِدْ بِهِ السُّنَّةُ، فَإِنْ قِيلَ لَمَّا اسْتَوَيَا فِي الِاسْتِلَامِ، فَهَلَّا اسْتَوَيَا فِي التَّقْبِيلِ.

قِيلَ: السُّنَّةُ فَرَّقَتْ بَيْنَهُمَا بتقبيل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِأَحَدِهِمَا عَلَى أَنَّ الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ أَشْرَفُ، لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الطَّوَافِ مِنْهُ، وَلِأَنَّ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ فِيهِ، وَقَدْ رَوَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: أشهد بالله ثَلَاثًا أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُولُ: " إِنَّ الْحَجَرَ وَالْمَقَامَ

<<  <  ج: ص:  >  >>