للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الرَّمَلَ مَسْنُونٌ فِي ثَلَاثَةِ أَطْوَافِ الْأُولَى، وَالْمَشْيَ مَسْنُونٌ فِي الْأَرْبَعَةِ الْبَاقِيَةِ، فَإِنْ تَرَكَ الرَّمَلَ فِي الطَّوْفَةِ الْأُولَى، أَتَى بِهِ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ، وَإِنْ تَرَكَهُ فِي الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ، أَتَى بِهِ فِي الثالثة وإن تركه في الثالثة كُلِّهَا، لَمْ يَقْضِهِ فِي الْأَرْبَعِ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الرَّمَلَ هَيْئَةٌ، وَالْهَيْئَاتُ لَا تُقْضَى فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا، كَمَا لَوْ تَرَكَ رَفْعَ الْيَدَيْنِ فِي الرُّكُوعِ، لَمْ يَقْضِهِ فِي السُّجُودِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الرَّمَلَ وَإِنْ كَانَ مَسْنُونًا فِي الثَّلَاثِ، فَالْمَشْيُ مَسْنُونٌ فِي الْأَرْبَعِ فَإِذَا قَضَاهُ فِي الْأَرْبَعِ، تَرَكَ الْمَشْيَ الْمَسْنُونَ فِيهَا بِرَمَلٍ مَسْنُونٍ فِي غَيْرِهَا، فَيَكُونُ تَارِكًا للسُّنَّتَيْنِ مَعًا.

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ تَرَكَ الرَّمَلَ، وَالِاضْطِبَاعَ، وَالِاسْتِلَامَ، فَقَدْ أَسَاءَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ كُلَّ هَذِهِ هَيْئَاتٌ، وَالْهَيْئَاتُ لَا تُجْبَرُ وَلِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ طَوَافَ الْقُدُومِ، لَمْ يَلْزَمْهُ جُبْرَانٌ فَإِذَا تَرَكَ هيأته، أولى أن لا يلزمه جبران.

[مسألة]

: قال الشافعي رضي الله عنه: " وكلما حاذى الحجر الأسود كَبَّرَ وَقَالَ فِي رَمَلِهِ " اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا وَذَنْبًا مَغْفُورًا وَسَعْيًا مَشْكُورًا " وَيَقُولُ فِي سعيه " اللهم اغفر وارحم واعف عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم اللهم آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وقنا عذاب النار ويدعو فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ بِمَا أَحَبَّ مِنْ دِينٍ ودنيا ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا تَكْبِيرُهُ عِنْدَ مُحَاذَاةِ الْحَجَرِ فَمُسْتَحَبٌّ فِي كُلِّ طَوْفَةٍ كَمَا كَانَ مُسْتَحَبًّا فِي الطَّوْفَةِ الْأُولَى، وَلَيْسَ كَالِاسْتِلَامِ، الَّذِي إِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ طَوْفَةٍ، اسْتَلَمَ فِي كُلِّ وِتْرٍ، لِأَنَّ التَّكْبِيرَ لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ، فَأَمَّا الدُّعَاءُ فِي الرَّمَلِ، فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا، وَذَنْبًا مَغْفُورًا وَسَعْيًا مَشْكُورًا، وَيَقُولُ فِي الْأَرْبَعَةِ الْبَاقِيَةِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاعْفُ عَمَّا تَعْلَمُ وَأَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. حَكَاهُ الْمُزَنِيُّ فِي جَامِعِهِ الْكَبِيرِ. وَيَكُونُ مِنْ دُعَائِهِ فِي طَوَافِهِ، مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى التَّيْمِيِّ أَنَّ خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا أَقُولُ إِذَا طُفْتَ الْبَيْتَ؟ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " قُولِي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطَايَايَ وَعَثَرَاتِي وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي وَاخْلُفْنِي فِي أَهْلِي فَإِنْ لَمْ تَخْلُفْنِي تُهْلِكُنِي " وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ فِي الطَّوَافِ فَلَقِيَنِي شَابٌّ نَظِيفُ الثَّوْبِ حَسَنُ الْوَجْهِ فَقَالَ: يَا عَلِيُّ أَلَا أُعَلِّمُكَ دُعَاءً تَدْعُو بِهِ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: قُلْ " يَا مَنْ لَا يَشْغَلُهُ سمعٌ عَنْ سمعٍ يَا مَنْ لَا يَغلِطُهُ السَّائلُونَ يَا مَنْ لَا يَتَبَرَّمُ بِإِلْحَاحِ الْمُلِحِّينَ أَسْأَلُكَ يَدَ عَفْوِكَ وَحَلَاوَةَ رَحْمَتِكَ " قَالَ عَلِيٌّ: فَقُلْتُهَا ثُمَّ أَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِهَا فَقَالَ: " يَا عَلِيُّ ذَاكَ الْخَضِرُ ". فَإِذَا دَعَا بِمَا ذَكَرْنَا دَعَا بَعْدَهُ بِمَا شَاءَ مِنْ دِينٍ وَدُنْيَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>