للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شرطاً فيها، فوجب أن تَكُونَ الطَّهَارَةُ شَرْطًا فِيهَا كَالصَّوْمِ طَرْدًا، وَالصَّلَاةِ عَكْسًا، وَلِأَنَّ لِلْحَجِّ أَرْكَانًا وَمَنَاسِكَ، وَلَيْسَتِ الطَّهَارَةُ وَاجِبَةً فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الطَّوَافُ لَاحِقًا بِأَحَدِهِمَا.

وِالدَّلَالَةُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ: رِوَايَةُ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَطُوفَ تَوَضَّأَ ثُمَّ طَافَ. وَفِعْلُهُ فِي الْحَجِّ بَيَانٌ تُؤْخَذُ مِنْهُ الْمَنَاسِكُ والأركان، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ " وَرَوَى طَاوُسٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَحَلَّ فِيهِ النُّطْقَ فَمَنْ نَطَقَ فلا ينطق إلا بالخير ". وَالدَّلَالَةُ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ سَمَّى الطَّوَافَ صَلَاةً، وَهُوَ لَا يَضَعُ الْأَسْمَاءَ اللُّغَوِيَّةَ، وَإِنَّمَا يُكْسِبُهَا أَحْكَامًا شَرْعِيَّةً، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهَا فِي الشَّرْعِ صَلَاةٌ، لَمْ تَجُزْ إِلَّا بِطَهَارَةٍ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا صَلَاةَ إِلَّا بِطَهُورٍ ".

وَالثَّانِي: أَنَّهُ جَعَلَ الطَّوَافَ صَلَاةً، وَاسْتَثْنَى مِنْ أَحْكَامِهَا الْكَلَامَ، فَلَوْ كَانَ الطَّوَافُ صَلَاةً فِي مَعْنًى دُونَ مَعْنًى لَمْ يَكُنْ لِلِاسْتِثْنَاءِ حُكْمٌ وَاحِدٌ مِنْ جُمْلَةِ أَحْكَامِهَا مَعْنًى، وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَجِبُ فِيهَا الطَّهَارَةُ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَسْقُطَ فَرْضُهَا بِغَيْرِ طَهَارَةٍ، كَالصَّلَاةِ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَا يَصِحُّ مِنْهُ فِعْلُ الصَّلَاةِ، لَا يَصِحُّ مِنْهُ فِعْلُ الطَّوَافِ، كَالْمُحْدِثِ إِذَا كَانَ مُقِيمًا بِمَكَّةَ، وَلِأَنَّهُ طَهَارَةٌ وَاجِبَةٌ، فَوَجَبَ أَنْ لَا تُجْبَرَ بِدَمٍ، كَالطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ، فَأَمَّا الْآيَةُ فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَالُ بِهَا؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ مَكْرُوهٌ، وَالْأَمْرُ لَا يجوز أن يَتَنَاوَلُ الْمَكْرُوهَ، عَلَى أَنَّهَا مُجْمَلَةٌ أُخِذُ بَيَانُهَا من فعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَهُوَ لَمْ يَطُفْ إِلَّا بِطَهَارَةٍ وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى السَّعْيِ وَالْوُقُوفِ، فَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الطَّهَارَةَ لَمَّا لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً فِي السَّعْيِ وَالْوُقُوفِ، لَمْ تَكُنْ شَرْطًا فِي صِحَّةِ السَّعْيِ وَالْوُقُوفِ، وَلَمَّا كَانَتِ الطَّهَارَةُ وَاجِبَةً فِي الطَّوَافِ، كَانَتْ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الطَّوَافِ، وَبِمِثْلِهِ يَكُونُ الْجَوَابُ مِنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الصِّيَامِ فِي الطَّرْدِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّ الطَّوَافَ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ لَاحِقًا بِالْأَرْكَانِ أَوْ بِالْمَنَاسِكِ.

قُلْنَا: لَيْسَ بِلَاحِقٍ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، لِأَنَّ الطَّهَارَةَ تَجِبُ لَهُ وَلَا تَجِبُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا.

فَصْلٌ

: فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الطَّوَافَ لَا يَصِحُّ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ، فَطَافَ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ، كَانَ طَوَافُهُ غَيْرَ مُجْزِئٍ، كَمَنْ لَمْ يَطُفْ. فَلَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنَ الْمِيقَاتِ، وَفَرَغَ مِنْ أَعْمَالِهَا، وَتَحَلَّلَ مِنْهَا، ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَفَرَغَ مِنْ أَعْمَالِهِ وَتَحَلَّلَ مِنْهُ، ثُمَّ ذَكَرْنَا أَنَّهُ طَافَ أَحَدُ الطَّوَّافِينَ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ، وَقَدْ أُشْكِلَ عَلَيْهِ فَلَيْسَ يَعْلَمُ هَلْ هُوَ طَوَافُ الْعُمْرَةِ، أَوْ طَوَافُ الْحَجِّ؟ فَعَلَيْهِ أَنْ يَطُوفَ وَيَسْعَى، وَعَلَيْهِ دَمُ شَاةٍ، وَقَدْ أَجْزَأَهُ عَنِ الْحَجِّ. وَالْعُمْرَةِ. وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ، لِأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُحْدِثًا فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُحْدِثًا فِي طَوَافِ الْحَجِّ فَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ لَمْ يُعْتَدَّ بِطَوَافِهِ فِيهَا وَلَا بِسَعْيهِ، وَعَلَيْهِ دَمٌ لِحِلَاقِهِ وَقَدْ صَارَ قَارِنًا لِإِدْخَالِهِ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ قَبْلَ تَحَلُّلِهِ مِنْهَا وَعَلَيْهِ دَمٌ لِلْقِرَانِ، وَطَوَافُهُ فِي الْحَجِّ يُجْزِئُهُ عَنْهُمَا جَمِيعًا، لِأَنَّ الْقَارِنَ يُجْزِئُهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ، فَعَلَى هَذَا التَّنْزِيلِ يَلْزَمُهُ دَمَانِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>