للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صَحِيحًا، وَوَطِئَ قَبْلَ إِحْرَامِهِ بِالْحَجِّ، فَلَمْ يَكُنْ لِوَطْئِهِ فِي الْحَجِّ تَأْثِيرٌ، ثُمَّ طَافَ فِي الْحَجِّ مُحْدِثًا، فَلَمْ يُعْتَدَّ بِطَوَافِهِ وَسَعْيِهِ، فَعَلَى هَذَا التَّنْزِيلِ، يَصِيرُ مُتَمَتِّعًا، فَعَلَيْهِ أَنْ يَطُوفَ وَيَسْعَى، وَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَمَتُّعِهِ، فَعَلَى هَذَا التَّنْزِيلِ، يَجِبُ عَلَيْهِ طَوَافٌ وَسَعْيٌ، لِيَكُونَ مُتَحَلِّلًا مِنْ إِحْرَامِهِ بِيَقِينٍ، وَهَلْ عَلَيْهِ دَمٌ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: إِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ يَصِيرُ قَارِنًا بِإِدْخَالِ الْحَجِّ عَلَى عُمْرَةٍ فَاسِدَةٍ، فَعَلَيْهِ دَمٌ، لأنه يتردد بين أن يكون قارناً فيلزمه دم وبين أَنْ يَكُونَ مُتَمَتِّعًا فَيَلْزَمُهُ دَمٌ، فَكَانَ وُجُوبُ الدَّمِ عَلَيْهِ يَقِينًا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ.

وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ لَا يَكُونُ قَارِنًا بِإِدْخَالِ الْحَجِّ عَلَى عُمْرَةٍ فَاسِدَةٍ، فَلَا دَمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ تَرَدَّدَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُتَمَتِّعًا فَيَلْزَمُهُ دَمٌ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُعْتَمِرًا فَلَا يَلْزَمُهُ دَمٌ؛ لِأَنَّ الدَّمَ لَا يَجِبُ بِالشَّكِّ، فَأَمَّا قَضَاءُ الحج والعمرة ووجوب كفارة الوطئ فَلَا يَجِبُ بِحَالٍ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَرَدَّدُ بَيْنَ أن تجب وبين أن لا تجب وَبِالشَّكِّ فَلَا تَجِبُ فَأَمَّا إِجْزَاءُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ عَنْ فَرْضِ الْإِسْلَامِ، فَالْعُمْرَةُ لَا تُجْزِئُ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَتَرَدَّدُ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ عَارِيَةً عَنِ الْفَسَادِ، فَتُجْزِئُ، وَبَيْنَ أَنْ تَكُونَ فَاسِدَةً، فَلَا تُجْزِئُ، وَفَرْضُ الْعُمْرَةِ مَعَ الشَّكِّ لَا يَسْقُطُ، وَأَمَّا الْحَجُّ، فَفِي إِجْزَائِهِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى اخْتِلَافِ الْوَجْهَيْنِ هَلْ يَكُونُ قَارِنًا أَمْ لَا؟ ثُمَّ عَلَى اخْتِلَافِ الْوَجْهَيْنِ، إِذَا صَارَ قَارِنًا. هَلْ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْحَجِّ أَمْ لَا؟ فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَكُونُ قَارِنًا، لَمْ يُجْزِهِ فَرْضُ الْحَجِّ؛ لأنه قد تردد بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ أَمْ لا، وإن يَكُونُ قَارِنًا. فَإْنْ قُلْنَا: إِنَّ مَنْ أَدْخَلَ الْحَجَّ عَلَى عُمْرَةٍ فَاسِدَةٍ، لَزِمَهُ قَضَاءُ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ لَزِمَهُ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ، لِأَنَّهُ قَدْ يَتَرَدَّدُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَدْ حَجَّ حَجًّا صَحِيحًا، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَدْ حَجَّ حَجًّا فَاسِدًا، فَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ. وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّ مَنْ أَدْخَلَ الْحَجَّ عَلَى عُمْرَةٍ فَاسِدَةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءُ الْحَجِّ، فَقَدْ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَرَدَّدُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَارِنًا فَيَصِحُّ حَجُّهُ، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُتَمَتِّعًا فَقَدْ صَحَّ حَجُّهُ، فَيَكُونُ فَرْضُ الْحَجِّ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ سَاقِطٌ بِيَقِينٍ، فَهَذَا الْكَلَامُ فِي وجوب الطهارة وما يتفرع عليه.

فَصْلٌ

: فَأَمَّا سَتْرُ الْعَوْرَةِ، فَوَاجِبٌ فِي الطَّوَافِ وشرط في صحته، لا يصح أداؤه؛ لأنه كَالطَّهَارَةِ، وَقَدْ كَانَ النَّاسُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاةً، وَيَرَوْنَ ذَلِكَ أَفْضَلَ، لِيَكُونُوا كَمَا خُلِقُوا، فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ مِنْهُمْ تَشُدُّ عَلَى فَرْجِهَا سُيُورًا حَتَّى قَالَتِ الْعَامِرِيَّةُ:

(الْيَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهُ ... فَمَا بَدَا مِنْهُ فَلَا أُحِلُّهُ)

(كَمْ مِنْ لَبِيبٍ عَقْلُهُ يُضِلُّهُ ... وناظرٍ يَنْظُرُ فِيمَا يُحِلُّهُ)

فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَنْ ذَلِكَ: وَجَعَلَهُ صَلَاةً وَأَمَرَ بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ فِيهِ فَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: " كُنْتُ مَعَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَيْثُ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَرَاةَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ قَالَ فَأَمَرَنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>