للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تسمى الضحى واختلف الناس لما سيمت عَرَفَةَ فَقَالَ قَوْمٌ لِتَعَارُفِ آدَمَ وَحَوَّاءَ فِيهِ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَهْبَطَ آدَمَ بِأَرْضِ الْهِنْدِ وَحَوَّاءَ بِأَرْضِ جُدَّةَ فَتَعَارَفَا بِالْمَوْقِفِ وَقِيلَ: لأن جبريل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَرَّفَ فِيهِ إِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه مَنَاسِكَهُ.

وَقِيلَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِلْجِبَالِ الَّتِي فِيهَا، وَوُقُوفِ النَّاسِ عَلَيْهَا وَالْجِبَالُ هِيَ الْأَعْرَافُ وَمِنْهُ قَوْله تعالى: {وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ) {الأعراف: ٤٦) .

قيل سُورٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَمِنْهُ قِيلَ عُرْفُ الدِّيكِ وَعُرْفُ الدَّابَّةِ لِنُتُوِّهِ وَعُلُوِّهِ وَكُلُّ نَاتٍ فَهُوَ عُرْفٌ، وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: سُمِّيَتْ عَرَفَاتٍ لِأَنَّ النَّاسَ يَعْتَرِفُونَ فِيهَا بِذُنُوبِهِمْ فَحِينَئِذٍ يغفر لهم.

مسألة: قال الشافعي رضي الله عنه: " فَإِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ دَفَعَ الْإِمَامُ وَعَلَيْهِ الْوَقَارُ وَالسَّكِينَةُ فَإِنْ وَجَدَ فُرْجَةً أَسْرَعَ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ السُّنَّةُ لِلْإِمَامِ وَمَنْ مَعَهُ بِعَرَفَةَ أَنْ يُقِيمُوا بِهَا حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ ثُمَّ يَدْفَعُوا مِنْهَا بَعْدَ الْغُرُوبِ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلِرِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ بِعَرَفَاتٍ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ كَانُوا يَدْفَعُونَ فِي هَذَا الْيَوْمِ قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ إِذَا كَانَتِ الشَّمْسُ فِي رُؤُوْسِ الْجِبَالِ كَأَنَّهَا عَمَائِمُ الرِّجَالِ فِي وُجُوِهِهِمْ وَإِنَّا نَدْفَعُ بَعْدَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ، فَإِنْ دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ إِلَى مُزْدَلِفَةَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَحَجُّهُ مُجْزِئٌ وَعَلَيْهِ دَمٌ وَفِيهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ إِنَّهُ وَاجِبٌ لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَمُسْنَدًا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مَنْ تَرَكَ نُسُكًا فَعَلَيْهِ دَمٌ " وَالْوُقُوفُ بعرفة إلى غروب الشمس نسك فوجب أن يَجِبُ فِيهِ دَمٌ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَنَّ الدَّفْعَ مِنْ عَرَفَةَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ كما سن الإحرام من مِنَ الْمِيقَاتِ ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّ الدَّمَ عَلَى مُجَاوِزِ الْمِيقَاتِ وَاجِبٌ فَكَذَا الدَّمُ عَلَى الدَّافِعِ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَاجِبٌ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ أَنَّ الدَّمَ اسْتِحْبَابٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِعُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسٍ وَقَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ لَيْلًا " مَنْ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَاتٍ لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا فَقَدْ قَضَى تَفَثَهُ وَتَمَّ حَجُّهُ " وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِدَمٍ فَدَلَّ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلِأَنَّ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَقْتٌ لِإِدْرَاكِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ بِهَا لَيْلًا دُونَ النَّهَارِ لَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ كَذَلِكَ إِذَا وَقَفَ بِهَا نَهَارًا دُونَ اللَّيْلِ لَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ.

فَصْلٌ

: فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ عَلَيْهِ الدَّمَ إِمَّا وَاجِبًا أَوِ اسْتِحْبَابًا فَإِنْ عَادَ إِلَى عَرَفَةَ لَيْلًا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ سَوَاءٌ كَانَ عَوْدُهُ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ أَوْ بعده.

<<  <  ج: ص:  >  >>